الاستعداد مبكرا لموسم الحج موسم المغفرة والعتق الأكبر
محمد الدبيسي
إذن فينبغي أن نبدأ مبكرين في معرفة أمور الحج لعدة أسباب:
السبب الأول: إن وفق الله- تبارك وتعالى -المرء للحج كان قد استعد له، ويعود منه وقد محيت ذنوبه وسيئاته، وخرج منه كما ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كيوم ولدته أمه [1]، وإلا كان كمن أتى عليه رمضان فلم يغفر له، فإن المرء إذا لم يستعد في رمضان - كما ذكرنا عندما يدخل عليه رمضان، ويحاول أن يتكيف مع الصيام والقيام يكون رمضان قد انتهى، فإذا ما حاول أن يجد حلاوة الطاعة وحلاوة القيام وحلاوة الذكر وحلاوة القرآن، وبدأ يندمج في الأعمال الصالحة المتعلقة برمضان إذا برمضان قد انتهى؛ لذلك كان لزاما على أهل الدنيا أن يستعدوا لهذه الأيام وتلك المواسم مبكرين لها حتى إذا دخلت عليهم هذه المواسم وجدتهم مستعدين لرحمة الله - تعالى -؛ فيزدادون من هذه الرحمة، وكذلك يزدادون من هذه المغفرة، ومن القرب من الله تبارك - تعالى -، ومن العمل الصالح، أما إن هجم عليه الموت من هذه المغفرة وليس مستعدا لرحمة الله - تعالى -، ولا لمغفرة الله - تعالى -، ولا لبركاته - سبحانه وتعالى - فمتى يحصلها؟
السبب الثاني: إذا ما استعد المرء حينئذ في هذه الأيام من أيام الخير والعمل الصالح لموسم الحج عسى أن يوفقه الله - تعالى - له، عسى أن يسوق الله - تعالى -له الحج، عسى أن يكرمه المولى - سبحانه وتعالى - به؛ إذ وجده حريصا على تحصيل هذا الفرض العظيم من فرائض الإسلام وجده حريصا صادقا مخلصا في طلب هذا الموسم من مواسم المغفرة ولعل الله- تبارك وتعالى -أن يجود عليه، وأن يكرمه بالذهاب إلى بيته المعظم، إلى بيته المكرم - سبحانه وتعالى -.
أما أن يأتي الموسم على أناس ليسوا منشغلين بهذه المسألة، ولا هم على بالهم، وقد علموا أنهم لن يستطيعوا أن يحجوا ولا يفكرون في أن يحجوا فهذا مما لا ينبغي أن يكون عليه المؤمن، بل إن من أهم ما يحمل الله - تعالى -به المرء إلى بيته الكريم، أهم ما يحمل الله - تعالى -به المرء أن يكون عنده الشوق إلى هذا البيت يعني: يكون عنده الشوق إذا بالله - تعالى -يحمله بغير أسباب وبغير ما كان يفكر فيه من موانع، وبغير ما يلاقي من عوائق، وبغير ما يفكر فيه من استعداده بالمال واستعداده بالتأشيرة وكذا وكذا إذا بالله - تعالى -يسوق له ذلك؛ لذلك إذا سأل السائل بماذا يستعد المرء في هذه الأيام لموسم الحج والمغفرة العظيمة الذي قد هلت أيامه علينا، وهي أشهر الحج التي نحن فيها الآن؟
قال: أول ما يستعد به هو الشوق فإذا لم يكن عنده شوق ولا حنين إلى بيت الله - تعالى -فإنه دليل على أنه لا شوق عنده إلى الله تبارك وتعالى، ولا حنين إلى الآخرة ولقاء الله - جل وعلا -، ولا شيء وإنما قلبه على هذه القسوة وعلى هذا الجمود على هذا البعد الذي به يحرم المرء هذه المعاني، ويحرم به هذه الأعمال الصالحة وهذه القربات العظيمة التي يمنحها الله - تعالى -ويهبها لهؤلاء المشتاقين المحبين الحزانى على أنهم قد منعوا وحرموا سنين عديدة في أن يصلوا إلى بيته - سبحانه وتعالى -.
فأول ما يستعد به المرء إذن هو: الحنين والشوق إلى بيت الله - تعالى -، فإذا لم يكن عنده شوق ولا حنين فأين شوقه إلى الله - تعالى -؟ وسيظل في هذا الحرمان والبعد والجفاء فيما بينه وبين الله - سبحانه وتعالى -.
فهذه المسألة إذن أول ما يستعد بها المرء لأن يفتح الله - تعالى -عليه، وأن يحمله - سبحانه وتعالى - كما ورد في الحج أنه يحمله هو - سبحانه وتعالى -، فإذا أراد الله - تعالى -عبدا لزيارة بيته والتشرف بهذه الزيارة هذه المرتبة العظيمة من مراتب الدين؛ فإن الله - تعالى -يهيئ له كل الأسباب.
وكم قد سمعنا ورأينا من ذلك الكثير في رحلات هؤلاء المشتاقين إلى الله تبارك وتعالى، فإذا بالله - تعالى -يهيئ لهم كل ما كان لا يتوقعونه من أن يكون مهيأ، من المال والسفر والتأشيرة وكذا وكذا مما يظن المرء أنها موانع وعواقب؛ إذ ذلك كله ليس عند الله - تعالى - إلا أن يقول: كن فيكون، وقد ذكرنا في قصة زكريا - عليه السلام - لما دعا بهذا الدعاء الغريب الذي شرحناه في خطب الجمعة لما قال: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مَرْيَمَ: 5] ومعنى الآية: امرأتي لا تلد وأنا أريد ولدا! امرأتي عاقر لا تنجب ولكن يعني رحمتك وقدرتك وقوتك لا يقوم لها شيء، وهذه القوة والقدرة تقوم على كل شيء، وتستطيع كل الممكنات وأن تقوم بها: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] وهكذا هذا المعنى في الحج وغيره.
المشتاق إلى الله - تعالى -، المشتاق إلى بيته إلى التشرف بهذه الأماكن من أماكن سعي الصالحين واجتماع عباد الله - تعالى -المخلصين وإلى مواضع الرحمات؛ حيث تسكب العبرات وتقال العثرات كما يقول أهل الإيمان إن الله - تعالى -، المشتاق لا بد وأن يقدم ما يبين هذا الشوق، وهذا الشوق إنما هو في الأعمال الصالحة التي يرجو بها أن يحمله الله- تبارك وتعالى -وأن يأخذه إلى بيته، وأن يتفضل عليه الكريم المتعال - سبحانه وتعالى - بتلك الزيارة التي يعود بعدها المرء وقد غفرت له ذنوبه، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه [2]كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -.