من أقوال السلف في مكارم الأخلاق -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فتوجد أخلاق محمودة وتوجد أخلاق مذمومة, وبعض الأخلاق المحمودة كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام, كالشجاعة, والكرم, والعفة. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمها, قال علية الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وفي رواية صالح الأخلاق.[أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم45]
للسلف أقوال في مكارم الأخلاق يسّر الله فجمعت بعضاً منها أسأل الله أن ينفع بها
بركة الأخلاق:
قال العثيمين رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في أخلاقه بحيث تكون أخلاقه أخلاقًا حسنة ففيه السماح والصدق ولين الجانب وما أشبه ذلك فيقتدي الناس به، وإننا نقتدي بعوامٍّ ليس عندهم علم، نقتدي بأخلاقهم.
الأسباب المؤدية إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة:
قال العلامة ابن باز رحمه الله: الإكثار من قراءة القرآن وتدبر معانيه, والاجتهاد في التخلق بما ذكر الله في القرآن الكريم من صفات الأخيار من عباد الله الصالحين, فذلك مما يعين على التخلق بالأخلاق الفاضلة, وهكذا مجالسة الأخيار ومصاحبتهم, وقراءة الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على ذلك, وهكذا تدبر أخبار الماضين في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي من صفات العباد والأخيار, كل هذه تعين على التخلق بالأخلاق الفاضلة والاستقامة عليها, وأعظم ذلك القرآن والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه بقلب حاضر ورغبة صادقة.
الأخلاق الكاملة تجعل صاحبها محموداً عند الله وعند خلقه:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الأخلاق الكاملة والآداب السامية تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن, معتدل الأحوال, مكتمل الأوصاف الحسنة, طاهر القلب, نقي من كل درن وآفة, قوي القلب, متوجهاً قلبه إلى أعلى الأمور وأنفعها, قائماً بالحقوق الواجبة والمستحبة, محموداً عند الله وعند خلقه, قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي, وسلم من كل دنس وآفة, قد تواطأ ظاهره وباطنه على الاستقامة.
الأخلاق الجميلة أبواب إلى نعيم الجنان:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان, وجوار الرحمن
الأخلاق المحمودة تجلب محبة الناس:
قال الأصمعي رحمه الله: لما حضرت جدي علي بن أصمع الوفاة جمع بنيه فقال: يا بني, عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا عليكم, وإن مِتّم بكوا عليكم.
مكارم الأخلاق تقي من مصارع السوء:
قال الإمام النووي رحمه الله: مكارم الأخلاق, وخصال الخير, سبب للسلامة من مصارع السوء
التحلي بمكارم الأخلاق يحتاج إلى صبر:
قال سعيد بن العاص رضي الله عنه: يا بني, إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام, ولكنها كريهة مرة, لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها, ورجا ثوابها.
أمهات الأخلاق ومكارمها:
** قالت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث, وصدقّ البأس في طاعة الله, وإعطاء السائل, ومُكافأة الصنيع, وصلة الرحم, وأداء الأمانة, والتذمم للجار, والتذمم للصاحب, وقِرى الضيف, ورأسهن الحياء.
** قال الفضيل بن عياض: أخلاق الدنيا والآخرة: أن تصل من قطعك, وتُعطى من حرمك, وتعفو عمن ظلمك.
** قال الإمام الغزالي: أمهات الأخلاق أصولها أربعة: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.
سلامة الصدر والقلب:
** دُخِلَ على الصحابي أبي دجانة رضي الله عنه، وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلمُ فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي للمسلمين سليمًا.
** قال عبدالله بن محمد بن مغيث القرطبي الصفار رحمه الله: أوثق عملي في نفسي سلامة صدري, إني آواي إلى فراشي ولا يأوي في صدري غائلة لمسلم.
** قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس, وسلامة الصدر, والنصح للأمة.
** قال قاسم الجوعي رحمه الله: أفضل طرق الجنة سلامة الصدر.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أفضل الأعمال: سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين. وإرادة الخير لهم ونصيحتهم.
ـــــــــــــــــ
الهجر الجميل, والصفح الجميل, والصبر الجميل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر الجميل هجر بلا أذى, الصفح الجميل صفح بلا عتاب, والصبر الجميل صبر بلا شكوى.
الإحسان إلى الناس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
& الإحسان يزيل البغض, ويثبت الحب.
& الحث على الإحسان إلى الناس, لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجراً.
الإيثار:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
& الإيثار ضدّ الشُّحِّ, فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه. والبخيل: من أجاب داعي الشُّحِّ, والمُؤثر: من أجاب داعي الجود.
& ما يُعين على الإيثار ويبعث عليه...ثلاثة أشياء: تعظيم الحقوق, فإن من عظمت الحقوق عنده قام بواجبها, ورعاها حقَّ رعايتها. الثاني: مقتُ الشُّحِّ, فإنه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار. الثالث: الرغبة في مكارم الأخلاق.
** قال الإمام النووي رحمه الله: قد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام, ونحوه من أمور الدنيا, وحظوظ النفس, أما القربات فالأفضل أن لا يؤثر بها, لأن الحق فيها لله تعالى, والله أعلم.
** قال السعدي رحمه الله الإيثار أكمل أنواع الجود وهو الإيثار بمحاب النفس وهذا لا يكون إلا من خلق زكي, ومحبة لله تعالى, مقدمة على شهوات النفس ولذاتها.
العفة عما في أيدي الناس:
قال أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان, العفّة عما في أيدي الناس, والتجاوز عما يكون منهم.
كتمان السر:
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: من استُودِع حديثًا فليستر، ولا يكن مهتاكًا ولا مشياعًا؛ لأن السرَّ إنما سمي سرًّا؛ لأنه لا يفشى، ومن كتم سرَّه كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السر استحقَّ الندم، ومن استحق الندم صار ناقص العقل، ومَنْ دام على هذا رجع إلى الجهل.
** قال الإمام الماوردي رحمه الله: كتمان السر من أقوى أسباب الظفر, وأبلغ في كيد العدو. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( استعينوا على الحاجات بالكتمان )* وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سرك أسيرك, فإذا تكلمت به صرت أسيره.
وليعلم أن من الأسرار ما لا يستغني فيها عن مطالعة ولي مخلص, واستشارة ناصح, فليتحفظ فيها, وليختر لها أمناءها.