الفجر والعصر وحالة البعض معهما آخر الدهر
عبد الله بن صالح القصير
الحمد لله وحده، وبعد؛ فإن الفجر والعصر وقتانِ عظيمانِ، لهما عند الله تعالى شأن.
وقد جعلهما الله تعالى وقتين لصلاتين عظيمتين هما صلاة الفجر وصلاة العصر وقد دل على عظم شأنهما وفضل صلاتيهما القرآنُ وما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن بيان.
فهما صلاتان تشهدهما الملائكة الحفظة المعقبات فإن الله تعالى قد وكل بكل شخص مِن بني آدم أربعة ملائكة حفظة؛ يحفظونه مِن أمر الله فلا يصيبه شيء إلا بقدر؛ فمَلَكانِ يحرسانه أحدهما أمامه والآخر خلفه من صلاة الفجر إلى العصر، وآخران يحرسانه من صلاة العصر إلى الفجر أحدهما أمامه والآخر خلفه كذلك، ويجتمع الأربعة في هاتين الصلاتين، ثم يصعد اللذان انتهتْ نوبتُهما، فإذا صعدا إلى الله تعالى سألهما عن عباده - وهو بهم أعلم - كيف تركتم عبادي؟
فيقولون: أتيناهم وهم يصلُّون وتركناهم وهم يصلُّون. ففي كل يوم وليلة تشهد الملائكة الكرام للمصلي بالصلاة، وعلى المتخلف عنها بالتخلف.
والفجر والعصر وقتان يُعرض فيهما جبابرة الكفرة على النار – مدة البرزخ ما بعد الموت إلى قيام الساعة – كما قال عن آل فرعون : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] وذلك لتكبُّرهم عن طاعة الله تعالى، وإعراضهم عن هدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي لا يحافظ على الصلوات الخمس؛ أنه يُحشَر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون، فالمتخلف عن الصلاة في هذين الوقتين متشبه بآل فرعون في أعمالهم ومآلهم، فيكون تخلُّفه عن هاتين الصلاتين من أسباب شدة عذابه في قبره وقت الفجر والعصر إلى قيام الساعة.
وهما صلاتان فُرضتا على مَن كان قبلنا فضيعوهما فاستحقوا بذلك الذم وشديد العذاب؛ فمَن ضيَّعهما مِن هذه الأمة كان متشبهًا بمَن ضيعهما مِن ضلال الأمم داخلًا في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ...} [مريم: 59، 60] الآية ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «لَتتبعن سننَ مَن كان قبلكم» وقوله: «مَن تشبَّه بقوم فهو منهم» فمن ضيع هاتين الصلاتين بترك أدائهما في وقتهما كما شرع الله تعالى كان داخلًا في ذلك الوعيد متعرضًا لذلك العذاب الشديد.
والمحافظة على صلاتي الفجر والعصر من أسباب دخول الجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلَّى البردين – يعني: الفجر والعصر – دخل الجَنَّة)) وقد رتَّب اللهُ تعالى ثوابَ الجَنَّة ونعيمَها على أسبابٍ؛ منها: تسبيح الله تعالى وقت هاتين الصلاتين، وأعظم التسبيح أداء فريضة الصلاة فيهما كما قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]، وقال سبحانه: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور: 36، 37] الآية إلى قوله: {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38] فالمحافظة على هاتين الصلاتين في وقتيهما من أسباب دخول الجنة، والتمتع بما فيها من الثواب العظيم، والأجر الكريم.
ومن فضل هاتين الصلاتين ووقتهما: أنهما وقتان لرزق أهل الجنة؛ لأن الصلاة آية التقوى وعلامتها، وقد قال تعالى {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63] الآية، بعد قوله سبحانه: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]، فلما هجروا لذيذ المنام، وركعوا وسجدوا خاضعين للملك القدوس السلام، نالوا في مثل هذا الوقت من جليل الإنعام، وعظيم الإكرام ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وأعظم نعيم أهل الجنة وأعلاه التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وقد جعل الله تعالى من أسبابه المحافظة على هاتين الصلاتين؛ فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال : «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته؛ فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» ؛ فنبَّه صلى الله عليه وسلم على أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب الفوز بالنظر إلى وجهه الكريم؛ قال تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].
فعليك أخي المسلم بالمحافظة على هاتين الصلاتين مع بقية الصلوات حتى تفوز بكريم وعد الله في محكم الآيات: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9 - 11] وتبرأ مِن سُنن المشركين والمنافقين والضالين ومن النار، وموجبات الهلاك والخسار.
واعلم أخي المسلم أن الله تعالى قد أخبر في القرآن والسُّنَّة أن المنافقين يَحْضرون الصلوات مع الجماعات؛ لكن أخبر اللهُ تعالى أن شأنهم الكسل في المجيء؛ لا يأتون إلا دبرًا قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك صلاة المنافق -قالها ثلاثًا- يَرقب الشمسَ حتى إذا كانت بين قرني الشيطان نَقَر أربعًا لا يَذكر اللهَ فيها إلا قليلًا» ؛ فهل يَرضَى مسلم عاقل أن يكون أسوأ حالًا مِن المنافقين وهو يَعلم ما ذمَّهم اللهُ تعالى به وتوعَّدَهم عليه بالعذاب الأليم، والمكان المُهين؛ فحافِظْ على الصلوات، وأدِّها مع الجماعات تَفُزْ بمحو الخطيئات، وكثرة الحسنات، ورفعة الدرجات، والنجاة من النار وما فيها من الدركات، ووراثة الفردوس من الجنات.
جعلَنا اللهُ من الفائزين بذلك، وأعاذَنا مِن مضِلَّات الفِتَن وأنواع المهالك.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.