الإحسان إلى الجار ( وصية العظماء)
محمد سيد حسين عبد الواحد
أيها الإخوة الكرام:
في القرآن الكريم وردت من العظيم وصية، وفي خطبة الوداع صدرت من العظيم وصية، وعلى لسان عظيم من عظماء ملائكة السماء وردت وصية...
كل هذه الوصايا قصدت وخصت وتحدثت عن الإحسان إلى الجار..
أما العظيم الأول:
فهو الخالق العظيم سبحانه وتعالى وقد وصى بالإحسان إلى الجار في زمرة الوصايا بالإحسان إلى النفس والإحسان إلى الوالدين والإحسان إلى ذوي الأرحام في قوله تعالى {وَ?عْبُدُوا? ?للَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا? بِهِ? شَيْـ?ًا ? وَبِ?لْوَ?لِدَي ْنِ إِحْسَ?نًا وَبِذِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْيَتَ?مَى? وَ?لْمَسَ?كِينِ وَ?لْجَارِ ذِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْجَارِ ?لْجُنُبِ وَ?لصَّاحِبِ بِ?لْجَن?بِ وَ?بْنِ ?لسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَ?نُكُمْ ? إِنَّ ?للَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}
وأما ثاني العظماء فهو النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وقد وصى بالإحسان إلى الجار كثيراً وأبرز وصاياه ما وردت في خطبة الوداع فعن أبى أُمَامَةَ قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، يَقُولُ: « «أُوصِيكُمْ بِالْجَارِ» »
أما ثالث العظماء فهو ملك من الملائكة الكرام هو جبريل عليه السلام وقد ورد أنه لم يزل يوصي رسول الله بالإحسان إلى الجار حتى ظن رسول الله أنه سيضرب له سهما من ميراث جاره ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام : " « مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ » ".
إكرام الجار والإحسان إليه والتلطف معه وصية العظماء، والعظيم لا يهتم إلا بعظيم وحق الجار عند جاره ورب الكعبة عظيم..
فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " « وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ". قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟
قَالَ : " « الْجَارُ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ". قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ : " شَرُّهُ» ".
وعن الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَدِ قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَى ؟ ". قَالُوا : حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ ". قَالَ : فَقَالَ : " مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ ؟ ". قَالُوا : حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ : " لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ ".»
الجار: هو كل من جاورك في السكن ، هو كل من تلقاه إذا أصبحت وأمسيت يَشْمَلُ ذلك الجار الْمُسْلِمَ والجار غير المسلم وَيشمل ذلك الجار الْعَابِدَ وَالجار الْفَاسِقَ وَيشمل الصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَيشمل الْغَرِيبَ وَالْقَرِيبَ وَيشمل الْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ وَللجيران مَرَاتِبٌ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ...
فلأحدهم حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة إن كان الجار مسلما قريبا..
ولأحدهم حق الجوار وحق الإسلام إن كان الجار مسلما ولم يكن من أهلك..
ولأحدهم حق الجوار فقط إن كان الجار من غير المسلمين..
ففي الأحوال كلها لا يعدم الجار حقه..
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ بن الزبير والله يا ابْنَ أُخْتِي : إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ. فَقُلْتُ : مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الْأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْيَاتِهِمْ فَيَسْقِينَاهُ.
سُئِلَ الْحَسَنُ عليه رحمة الله عَنِ الجيران أين يكونون؟
فَقَالَ: أَرْبَعِينَ دَارًا أَمَامك ، وَأَرْبَعِينَ دارا خَلْفَك، وَأَرْبَعِينَ دارا عَنْ يَمِينِك، وَأَرْبَعِينَ دارا عَنْ يَسَارِك.
وقيل : كل مَنْ سَاكَنَك فِي قرية أَوْمَدِينَةٍ أو صلى معك في المسجد فَهُوَ جَارٌ لك..
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ?لْمُنَ?فِقُونَ وَ?لَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَ?لْمُرْجِفُون َ فِى ?لْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا? إِلَّا قَلِيلًا} قال المفسرون جَعَلَ الله تَعَالَى اجْتِمَاعَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ جِوَارًا.
إذا لقيت جارك بالطريق فابدأه السلام، وإذا دعاك فأجب دعوته، وإذا استطعمك فأطعمه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا استعانك فاعنه، وإذا زلت قدمه فاستره، وإذا حضر فأكرمه، وإذا غاب فاحفظه في أهله وماله، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه..
وقد ورد أَنَّ النَّبِيَّ ? قَالَ:« «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُت» "
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: « «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» »
ثم تعال أخي لتعلم أن الإحسان إلى الجار لا يأت إلا بخير، وأول دلائل الخير أن من أحسن إلى جاره حاز عند الله تعالى درجة الخيرية فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: « «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» »
ثم إن الله تعالى يحب المحسن إلى جاره الصبور على أذاه
فعن أبى ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? ،قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً.. وعد منهم (رَجُلٌ لَهُ جَارُ سَوْءٍ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ، إِمَّا بِحَيَاةٍ وَإِمَّا بِمَوْتٍ»
ثم اعلم أخي أن الزيادة فى الرزق وأن البركة فى العمر أحد أسبابها التودد والإحسان إلى جيرانك : فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ? قَالَ لَهَا: ««اَنَّهُ مَنْ أَعُطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْن الْخُلُقِ وَحُسْن الْجِوَارِ،يَعْ مُرَان الدِّيَار وَيَزِيدانَ فِي الأَعْمَارِ»»
ثم إن دخول الجنة على ما كان من العمل أحد جوائز الإحسان إلى الجيران: فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قال:
قَالَ رَجُلٌ: قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا،وَصَ دَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ مِنَ الْأَقِطِ،وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا،قَ الَ:"هِيَ فِي الْجَنَّةِ» "
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن وصية العظماء بالإحسان إلى الجار أن نقول:
وماذا عن الجار المؤذي؟
ماذا عن جار أصله ويقطعني؟! أحلم عليه ويجهل علي؟! أتودد إليه ويتبغض إلي؟!
ماذا عن الجار المتطفل؟
ماذا عن الجار الذي يلقاني بالطريق فلا يسلم علي؟ وإذا كنت في نائبة من النوائب واستعنت به لا ينفعني بنافعة؟
ماذا عن الجار الذي لا يراعي أنني جاره؟ أسمع منه وأرى ما يؤذيني؟
إذا كنت وهذه حال أحد جيرانك فوصيتي لك ألا تقابل السيئة بالسيئة فتكونان سواء وقابل السيئة بالحسنة فالله تعالى يقول: ? { وَلَا تَسْتَوِى ?لْحَسَنَةُ وَلَا ?لسَّيِّئَةُ ? ?دْفَعْ بِ?لَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} ?
لا تتشبه بالمسيء كن أنت الأعقل، كن واسع الصدر، كن حليما، كن أنت صاحب النفس العلية التي تأبى الفحش والتفحش..
ترفع عن الدنايا، لا تدفع السيئة بالسيئة، لا تقف طويلا عند الهفوات، تغاضى وتغافل، اقبل الأعذار، وأقل العثرات، سد باب الشيطان، ولا تقبل الخصام، ولا تهجر أخاك فوق ثلاثة أيام.. تلتقيان فتعرض عنه ويعرض عنك وخيركما الذي يبدأ بالسلام..
والله تعالى يقول ? {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا? بِأَحْسَنَ مِنْهَا? أَوْ رُدُّوهَا? ? إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلَى? كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا } ?
شارك جارك فرحته، سلم عليه، ضع يدك في يده وصافحه، تبسم في وجهه، قال النبي عليه الصلاة والسلام : " تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ ".
ادع له، أسد إليه معروفا، هاده بهدية، واسه بمالك إن كان فقيرا وأرسل إليه بما تيسر من طعامك وشرابك يذهب الله ما في قلبه من الشحناء والبغضاء قال النبي عليه الصلاة والسلام : " يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ".
قلت: و ( فِرْسِن الشَاةٍ ) يقصد به ظفر الشاة وهو عظم قليل اللحم والقليل من الصدقة خير من العدم.
والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول " اتقوا النار ولو بشق تمرة "
" يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ".
لم يقصد في هذا الحديث التهادي ب ( فِرْسِن الشَاةٍ ) تحديدا لأنه في الغالب لا يهدى..
وإنما الحديث حض على التهادي بين الجيران ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء ، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة ، والهدية وإن كانت يسيرة ، فهي أدل على المودة والمحبة ، والمواصلة باليسير تكون كالكثير ..
نسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يؤلف بين قلوبنا وأن ينزع الغل والحسد من صدورنا..