خطر منع الزكاة
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
خطر منع الزكاة
شُؤم البُخْل بالزكاة على الشخص والمجتمع في العاجل والآجل
مَنْعُ الزكاة من كبائر الذنوب التي نَفَى الله عن أهلها الإيمان، وتوعَّدهم بألوان الوعيد، وتهدَّدهم بأنواع العذاب الشديد في الحياة وبعد الممات؛ من الهلاك في الدنيا والشقاء والخسران في الآخرة، فمنعُ الزكاة شُؤمٌ على مَن بَخِل بها وعلى المجتمع الذي يُقرُّه على ذلك ولا يُنكِر عليه سوءَ صنيعه، ومن ذلك:
أ- مَحْقُ المال وذَهابه بأنواع موجِبات الهلاك وأسباب التَّلَف؛ رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تَلِفَ مالٌ في بَرٍّ ولا بحر إلا بحبْس الزكاة"[1]؛ رواه الطبراني عن عمر رضِي الله عنه وفي رواية: "ما خَالَطَتِ الزكاة مالاً قطُّ، إلا أهلكتْه"[2].
ب- التعرُّض للعنة الله، وهي الطرْد عن مظانِّ الرحمة؛ رُوِي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعنَ آكِلَ الربا، ومُوكِله، وشاهِدَيه، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، ومانع الصَّدَقة[3].
ت- وهو أيضًا من أوصاف المشركين، فالمانع للزكاة مُتَشَبِّهٌ بهم، ومَن تَشَبَّه بقومٍ، فهو منهم؛ قال تعالى: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [فصلت: 6، 7].
ث- والبُخل بالزكاة من أَمَارات النِّفاق وموجِبَاته؛ قال تعالى في وصْف المنافقين: ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54]، وقال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 67، 68].
ج- ومنْع الزكاة من أسباب الْحِرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولا أُلْفِيَنَّ أحدَكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رُغاء"[4].
ح- الابتلاء بمنْع المطر والأخْذ بالسنين؛ عن بُرَيْدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منَعَ قومٌ الزكاة، إلا ابتلاهم الله بالسنين"[5]؛ رواه الطبراني في الأوسط، ورواتُه ثِقات.
ورواه الحاكم والبيهقي ولفظُه: "ولا منَعَ قومٌ الزكاة، إلا حَبَس الله عنهم القطْرَ"[6]، وقال الحاكم: صحيح على شرْط مسلم، ورواه البيهقي عن ابن عمر في حديث طويل، وفيه: "ولَم يَمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطْرَ من السماء، ولولا البهائمُ لَم يُمْطَروا"[7].
خ- التعرُّض لِمَا توعَّد الله به مَن بَخِل بها من العقوبة في الآخرة؛ فقد رَوى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أتاه الله مالاً، فلم يُؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقْرعَ له زبيبتان يُطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلِهْزِميه ـ يعني: شِدْقَيْه ـ ثم يقول: أنا مالُك"، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180] [8].
د- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كَنزٍ لا يؤدي زكاته إلا أُحْمِي عليه في نار جهنم، فيُجْعل صفائح، فيُكْوَى بها جَنباه وجَبِينه، حتى يحكمَ الله بين عباده في يوم كان مِقْدَارُه خمسين ألف سنة"[9].
وفي الصحيحين عنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدِّي منها حقَّها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحتْ له صفائح من نار، فأُحْمِي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جَنْبُه وجَبهته وظهرُه، كلَّما بَرَدتْ أُعِيدتْ عليه في يوم كان مِقْدارُه خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله؛ إمَّا إلى الجنة، وإمَّا إلى النار"[10].
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب إبلٍ ولا بقر ولا غَنم، لا يؤدِّي زكاتها، إلا جاءتْ يوم القيامة أعظمَ ما كانتْ وأسمنَه، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدتْ أُخراها، عادتْ عليه أُولاها، حتى يُقضى بين الناس"[11].
[1] أخرجه الهيثمي في مَجمع الزوائد (3/ 63)، وأورده المنذري في الترغيب (1/ 542)، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن هارون، وهو ضعيف، وقال المنذري: حديث غريب، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (575): مُنْكَر، ثم قال: بل هو ـ أي: عمر بن هارون ـ كذَّاب، لكنَّ الحديثَ له طريقٌ أخرى، ذكَره ابن أبي حاتم في العِلل (1/ 220، 221)، من طريق عِرَاك بن خالد: حدَّثني أبي قال: سمعتُ إبراهيم بن أبي عبلة يحدِّث عن عبادة بن الصامت مرفوعًا به، وقال: قال أبي: حديث مُنْكر، وإبراهيم لَم يُدْرِكْ عبادة، وعِرَاك مُنْكَر الحديث.
[2] أخرجه الهيثمي في مَجمع الزوائد (3/ 64)، وأورده المنذري في الترغيب (1/ 543)، والتبريزي في المشكاة (1793)، قال المنذري: رواه البزَّار، والبيهقي.
[3] أخرجه أحمد في المسند (1/ 87 - 3/ 304)، قال أحمد شاكر (660): إسناده ضعيف.
[4] جزء من حديث أخرجه البخاري (7174)، ومسلم (1832)، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
[5] أخرجه الهيثمي في المجمع (3/ 65)، والمنذري في الترغيب (1/ 543)، قال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثِقات، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (107).
[6] أخرجه الهيثمي في المجمع (3/ 65)، والمنذري في الترغيب (1/ 543)، وقال: رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرْط مسلم.
[7] أخرجه الهيثمي في المجمع (3/ 65)، والمنذري في الترغيب (1/ 543)، قال المنذري: رواه ابن ماجه، والبزَّار، والبيهقي من حديث ابن عمر، وهذا لفظُ البيهقي.
[8] أخرجه البخاري (1403) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[9] أخرجه مسلم (987) - 26.
[10] أخرجه مسلم (987) - 24.
[11] أخرجه البخاري (1460)، ومسلم (990).
الألوكة
..................