ما هو حكم استنساخ البشر ؟ وما هو حكمه من ناحية النسب والزواج والميراث وغيرها من الأحكام الأسرية ؟
تم النشر بتاريخ: 2001-05-27
الحمد لله
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وكرمه غاية التكريم فقال عز من قائل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء /70 ، زيَّنه بالعقل ، وشرفه بالتكليف ، وجعله خليفة في الأرض واستعمره فيها ، وأكرمه بحمل رسالته التي تنسجم مع فطرته بل هي الفطرة بعينها لقوله تعالى : (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم /30 وقد حرص الإسلام على الحفاظ على فطرة الإنسان سوية من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة : الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، وصونها من كل تغيير يفسدها ، سواء من حيث السبب أم النتيجة ، يل على ذلك الحديث القدسي الذي أورده القرطبي من رواية القاضي إسماعيل : (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم) .. إلى قوله : - (وأمرتهم أن يغيروا خلقي) تفسير القرطبي 5/389
وقد علّم الله الإنسان ما لم يكن يعلم ، وأمره بالبحث والنظر والتفكر والتدبر مخاطباً إياه في آيات عديدة : (أفلا يرون) ، (أفلا ينظرون) ، (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب) (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
والإسلام لا يضع حجرًا ولا قيدًا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه ، ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحاً بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة ، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون علماً نافعاً جالباً لمصالح العباد ودارئاً لمفاسدهم، ولابد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها ، فلا يتخذ حقلاً للتجريب ، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.
وقد كان مما استجد للناس من علم في هذا العصر ، ما ضجت به وسائل الإعلام في العالم كله باسم الاستنساخ، وكان لابد من بيان حكم الشرع فيه، بعد عرض تفاصيله من قبل نخبة من خبراء المسلمين وعلمائهم في هذا المجال.
تعريف الاستنساخ:
من المعلوم أن سنة الله في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل نواة كل منهما على عدد من الصبغات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد الصبغات التي في الخلايا الجسدية للإنسان ، فإذا اتحدت نطفة الأب (الزوج) التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الأم (الزوجة) التي تسمى البييضة، تحولتا معاً إلى نطفة أمشاج أو لقيحة، تشمل على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر، فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتملاً بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعاً فثمانيًا .. ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص، فإذا انشطرت إحدى خلايا اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان متماثلان، وقد أمكن في الحيوان إجراء فصلٍ اصطناعي لأمثال هذه اللقائح، فتولدت منها توائم متماثلة، ولم يبلّغ بعد عن حدوث مثل ذلك في الإنسان، وقد عد ذلك نوعًا من الاستنساخ أو التنسيل، لأنه يولد نسخًا أو نسائل متماثلة، وأطلق عليه اسم الاستنساخ بالتشطير.
وثمة طريقة أخرى لاستنساخ مخلوق كامل، تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية الكامل على شكل نواة من خلية من الخلايا الجسدية ، وإيداعها في خلية بييضة منزوعة النواة، فتتألف بذلك لقيحة تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وهي في الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر، فإذا غرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتملاً بإذن الله، وهذا النمط من الاستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو (الإحلال النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة الاستنساخ إذا أطلقت وهو الذي حدث في النعجة " دوللي " . على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل ، لأن بييضة الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة . ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية ، ولم يبلَّغ أيضاً عن حصول ذلك في الإنسان .
فالاستنساخ إذن هو: توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بييضة منزوعة النواة ، وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء.
ولا يخفى أن هذه العمليات وأمثالها لا تمثل خلقاً أو بعض خلق ، قال عز وجل: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) الرعد /16 ، وقال تعالى: (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون، نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين، على أن نبدل أمثالك وننشأكم في ما لا تعلمون، ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) الواقعة /58-62 .
وقال سبحانه : (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ، وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ، أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس /77-82 .
وقال تعالى : (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون /12-14 .
وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات الشرعية التي طرحت:
قرر المجلس ما يلي:
أولاً: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.
ثانيًا: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي السابق فإن آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
ثالثًا: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أو بييضة أم حيواناً منوياً أم خلية جسدية للاستنساخ.
رابعًا: يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات و الحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
مجمع الفقه الإسلامي ص 216-220.
https://islamqa.info/ar/21582