القول المفصل في حكم تعمد تأخير سنة الفجرعن وقتها الأول المفضل
باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين
اعتاد كثير من الناس تأخير ركعتي رغيبة الفجر الى قبيل الاقامة , وذلك ظنا منهم أن المؤذن يؤذن
قبل دخول وقت الصبح , وهذا عمل بالظن , ولا يجوز العدول عن اليقين في استئمان المؤذنين على أوائل الأوقات الا بأمر مبني على اليقين والتتبع , فالأصل أنهم مؤتمنون كما في حديث أبي هريرة ("الإمامُ ضامِنٌ، والمُؤذنُ مُؤتَمَن،)) رواه أبوداود والترمذي وصححه ابن حبان والألباني
والسنة الثابتة عن النبي عليه السلام والتي داوم عليها حياته كلها هي تعجيل هذه الصلاة حتى كان يبادر بها بعد سكوت المؤذن
ففي الصحيحين أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ،))
وسكت يعني فرغ من الّأذان , فدل هذا أن صلاته تعقب سكوت المؤذن وفراغه من أذانه ولا تتأخر عنه , ولفظ (كان ) تدل على المداومة والمواظبة على هذا الفعل .
ورواه مسلم وكذا مالك في الموطأ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْأَذَانِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ))
فهذه أول مخالفة يقع فيها المأخرون للصلاة
أما الثانية فهي مخالفتهم لحديث (صحيح مسلم) ، عن حفصة، قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين.))
فالسنة أن لا يصلى بعد طلوع الفجر الا سنة الفجر , وهذا استثناء مفرغ من عموم الأحوال ,أي أنه لا يصلي بين الأذان والاقامة الا هاتين الركعتين , قال النووي في شرح مسلم
(قَوْلُهُ كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا سُنَّةُ الصُّبْحِ وَمَا لَهُ سَبَبٌ وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَنَقَلَهُ لْقَاضِي عَنْ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِي لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالثَّالِثُ لَا تَدْخُلُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا )) انتهى
ويقصد بأصحابنا , الشافعية لأنه شافعي المذهب , ولا شك أن قول الجمهور (القول الأول) هو الأولى بالصواب , لموافته فعل النبي عليه السلام الدائم والمواظبة على الاقتصار على هذه الصلاة في هذا الوقت , يؤيده حديث عمرو بن عبسة التالي
خرجه الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: قلت: يا رسول الله، أي الساعات أفضل؟ قال: (جوف الليل الآخر، ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة، إلا الركعتين حتى تصلي الفجر) .
فالنهي عن الصلاة يبتدأ من دخول وقت الفريضة ,
قال ابن رجب في الفتح (ومما يدل على أن وقت النهي يدخل بطلوع الفجر: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن بلالاً يؤذن بليل حتى يرجع قائمكم ويوقظ نائمكم) .
وقد خرجاه في (الصحيحين) من حديث ابن مسعود.
فإن معنى: (يرجع قائمكم) : أن المصلي بالليل يمسك عن الصلاة ويكف عنها.)) انتهى
ويتأيد ما سبق ويعتضد برواية ابن عمر التي أخرجها أبوداود وغيره باسناد حسن:
(عَن يسَار مولى ابْن عمر، قَالَ: رَآنِي عبد الله وَأَنا أُصَلِّي بعد طُلُوع الْفجْر، فَقَالَ: يَا يسَار إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج علينا وَنحن نصلي هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ: لَا تصلوا بعد الْفجْر إلاَّ رَكْعَتَيْنِ)
فهذا نهي صريح من قوله عليه السلام عن الكف عن كل صلاة بعد هذا الوقت الا ركعتي الفجر , فتأيد فعله السابق بقوله هذا
قال الترمذي عقب هذا الحديث (وَقَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث غرب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث قدامَة بن مُوسَى، وَهَذَا مِمَّا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم، كَرهُوا أَن يُصَلِّي الرجل بعد طُلُوع الْفجْر إلاَّ رَكْعَتي الْفجْر، وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد، ولأصحاب الشَّافِعِي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: مثل الْجَمَاعَة،....)) انتهى
لذلك قال الحافظ في الفتح (وَفِيه: تَعْجِيل رَكْعَتي الْفجْر عِنْد طُلُوع الْفجْر، وَقد كره جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَصْحَابنَا التَّنَفُّل بعد أَذَان الْفجْر إِلَى صَلَاة الْفجْر بِأَكْثَرَ من رَكْعَتي الْفجْر، لما فِي مُسلم...))
أما المخالفة الثالثة , أن المؤخر لركعتي الفجر قد تدركه الاقامة وهو قائم يصلي , فيقع بين محذورين ان قطعها فانه سيصليها بعد الفريضة وهذا مخالف للهدي النبوي , وان تمادى فيها شمله النهي عن الصلاة بعد سماع الاقامة , لذلك ترى هؤلاء المصلين يسرعون فيها و يتخففون منها فيصلونها بلاخشوع والذي هو أكبر مقصود من الصلاة
وفي الصحيح عن أبي هريرة (اذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة )
وعند البخاري عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا) .))
لأن هذا الرجل صلى ركعتي الفجر وتمادى فيها بعد سماعه للاقامة ودخل بعدها في الصلاة فوصل الصلاتين جميعا فكأن الفريضة صارت في حقه أربع ركعات , لذلك ينبغي ايقاع سنة الفجر في أول وقتها المفضل اتباعا للنبي عليه السلام واقتداء بفعله الذي داوم عليه و الذي لم ينقل عنه خلافه و وقوفا عند نهيه عن الصلاة في ذلك الوقت سوي ركعتي الراتبة
لذلك تجد بعض الاخوان يؤخر هذه الراتبة ويداوم على هذا الفعل المخالف لما داوم عليه النبي عليه السلام , ويشتغل بصلاة تحية المسجد و غيرها من النوافل .
والأولى المبادرة الى هاتين الركعتين لا سيما اذا تحقق دخول الوقت أما اذا شك في دخوله أو أيقن أن المؤذن يتقدم أذانه عن الوقت الشرعي , فهنا يؤخرها حتى يطمئن دخول وقتها
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.