تعريفات العوارض
محمود حسن عمر
العوارض لغةً:
العوارض: جمع عارض؛ قال الأزهري ت 370هـ: "كل مانعٍ منَعك من شغلٍ وغيره من الأمراض، فهو عارض، وقد عرَض عارضٌ؛ أي: حال حائلٌ، ومنَع مانعٌ، ومنه قيل: لا تَعرِض لفلان؛ أي: لا تَعترض له، فتَمنَعه باعتراضك أن يقصد مرادَه، ويذهب مَذهبه، ويقال: سلكتُ طريقَ كذا، فعرَض لي في الطريق عارضٌ؛ أي: جبل شامخ قطَع عليَّ مذهبي"[1].
وقال أيضًا: "العارض: ما بين الثنية إلى الضرس، وقيل: عارض الفم: ما يبدو منه عند الضحك"[2].
فالعارض هنا يُطلق على المانع الذي يَمنعك من بلوغ قصدك، ويَحول بينك وبينه، وقد يكون هذا المانع إنسانًا أو جمادًا أو مرضًا، وفي النص الثاني يُطلَق العارض على الأسنان التي بين الثنية والأضراس، وتكون ظاهرة عند الضحك.
العوارض اصطلاحًا:
ورَد مصطلح العوارض عند النحاة القدامى، وجاء مرادفًا لمصطلح العدول أو الترك؛ يقول سيبويه ت 180 هـ: "هذا باب ما يكون في اللفظ من الأعراض: اعلم أنهم مما يَحذفون الكلم وإنْ كان أصلُه في الكلام غير ذلك، ويحذفون ويُعوِّضون، ويَستغنون بالشيء عن الشيء الذي أصله في كلامهم أن يستعمل حتى يَصير ساقطًا"[3].
وتحدَّث ابن جني ت 392هـ باستفاضة عن العوارض، وسمَّاها أكثر من اسم؛ مثل: الترك، العدول، العوارض، التغيير، التحول، وذلك تحت باب: "في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف"، وباب: "في نقض المراتب إذا عرض هناك عارض"، وباب: "في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يَدْعُ داعٍ إلى الترك والتحول"[4].
وقد فرَّق عبدالقاهر الجرجاني ت 471هـ بين الجملة قبل دخول العوارض عليها وبعد دخولها، وذكر أن أسلوب الجملة قد ازداد جمالاً بعد دخول هذه العوارض، يقول: "فإذا رأيتها قد راقَتْكَ وكَثُرَتْ عندك، ووجدتَ لها اهتزازًا في نفسك، فعُدْ فانظُر في السبب واستقصِ في النظر، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قدَّم وأخَّر، وعرَّف ونكَّر، وحذَف وأضمَر، وأعاد وكرَّر، وتوخَّى على الجملة وجهًا من الوجوه التي يقتضيها علم النحو، فأصاب في ذلك كله، ثم لَطُفَ موضع صوابه، وأتى مأتى يُوجب الفضيلة"[5].
وقد عرَّف الدكتور تمام حسان العوارض بقوله: "هي الأمور التي تَعرِض للتركيب الأصلي للجملة ليخرج عن المألوف، فالخروج عن أصل الحرف أو أصل الكلمة أو أصل الجملة - بالحذف أو الزيادة أو بالإضمار - يُعد من عوارض التركيب"[6].
تقول الباحثة أرواح عبدالرحيم الجرو: "العارض في الاصطلاح: خروج اللغة أحيانًا عن الأصل المتفق عليه لدى النحاة، وهذا الخروج لا يُعد تقويضًا لقوانين العربية وقواعدها، وإنما يأتي لأغراض بلاغية يقصدها المتكلم، وهو ما يُسمى بعوارض التركيب، فالعارض ما يَعرِض للجملة، بحيث يجعلها تخرج عن تركيبها الثابت"[7].
وقد رادَفتْ كتبُ النحاة والبلاغيين القدامى بين مصطلحَي العدول والعوارض كما مَرَّ، وقد أشار إلى هذا الترادف وجَلاَّه الدكتور تمام حسان قائلاً: "إن الأصل في الجملة ذكر عناصرها الإسنادية، والأصل أيضًا الإظهار، والرتبة، والإفادة، وقد يُعدَل عن هذه الأصول، فيُعدَل عن الذكر بالحذف، وهنا وجَبَ التقدير، وقد يُعدَل عن الإظهار، وهنا يجب الإضمار، وقد يُعدَل عن الرتبة بين عناصر الجملة بالتقديم والتأخير، وهذا العدول عن الأصل هو عوارض التركيب، ويشترط لجواز العدول والخروج عن الأصل أمْن اللبس لتحقق الفائدة، فلا يجوز الحذف إلا بوجود ما يدل عليه، ولا يجوز الإضمار إلا بوجود ما يُفسِّره، ولا يجوز التقديم والتأخير إلا مع وضوح المعنى"[8].
وعلى ذلك، فالجملة العربية - مع تعدُّد أقسامها وحجمها وموقعها - لا تأتي على هيئة واحدة، وإنما تَعرِض لها عوارض تَحيد بها عن الأصل، لكن هذه العوارض لا تأتي اعتباطًا، بل تأتي لفائدة تتمثل في إضافة معانٍ ودلالات جديدة يَعرِفها جيدًا علماء البلاغة؛ ذلك أن دور النحوي وصف الظاهر - وذِكر أن في هذه الجملة حذفًا أو تقديمًا وتأخيرًا - ودور البلاغي التعليل للظاهرة بلاغيًّا، وبيان القيمة الجمالية لوقوع الحذف أو التقديم والتأخير، أو غيرهما من العوارض في الجملة.
[1] تهذيب اللغة؛ لأبي منصور الأزهري، ج1، ص 289.
[2] السابق نفسه، ج1، 296.
[3] الكتاب لسيبويه، ج 1، ص 25.
[4] ينظر الخصائص؛ لابن جني، ج1، ص 295، وج 2، ص 459، وج 3، ص 20.
[5] دلائل الإعجاز؛ لعبدالقاهر الجرجاني، ج 1، ص 85.
[6] البيان في روائع القرآن؛ للدكتور تمام حسان، ص 83.
[7] عوارض التركيب في الأصمعيات: دراسة نحوية وصفية تطبيقية، رسالة ماجستير للباحثة أرواح عبدالرحيم الجرو، ص 15.
[8] الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب؛ للدكتور تمام حسان، ص 121- 122.