تعبت من العزلة وإهمال الوالدين
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شابٌّ عمره 18 عامًا، والداه كبيران في السِّنِّ، لم يَتَلَقَّ العنايةَ الكافية منهما، مما أثَّر على حياتِه، وعانى مِن الإهمالِ والخوفِ والعُزلة، وليس لديه أصدقاء، فاتجه إلى الأفلام المحرمة، ويريد حلًّا لما هو فيه مِن حالة نفسيةٍ سيئةٍ.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ عمري 18 عامًا، أعاني مِن مشاكلَ كثيرةٍ في حياتي، فأبي وأمي كبيران في السِّنِّ، لم أتلقَّ منهما العناية الكافية، ولم أشعرْ بحنانِهما، تأثَّرتْ حياتي جدًّا حتى بدأتُ أُعاني مِن الخوف مِن التحدُّث، وليس لديَّ أصدقاء!
كان لي صديق مُقرَّب مات منذ عامٍ، وكان هو الشخص الوحيد في حياتي الذي أتكلَّم معه مِن قلبي، وأفضفض معه عن حياتي، وكان هو الوحيد الذي يهتم بي وبأموري، وبعد وفاته أصبحت مدمنًا للأفلام الإباحية والعادة السرية، وأشعر أني شاذ جنسيًّا.
انعزلتُ عن كل الناس، حتى الأطفال الصغار أولاد إخوتي لا ألعب معهم!
كنتُ أتمنى أن أكون طبيبًا، لكن للأسف معدلي كان قليلًا ولم ألحق كلية الطب، أتمنى أن أحقق شيئًا في حياتي، لأني أشعُر أن مستقبلي ضائع.
أرجو أن تشيروا عليَّ بحلٍّ لما أنا فيه من حالة نفسية سيئة
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الابن الكريم، حياك الله وفرَّج كربَك، وربط على قلبك، وأزال همَّك وغمَّك، وحوَّل بحوله وقوته حالك لأحسن حال، اللهم آمين.
ما زلتَ في مرحلة المراهقة المتأخِّرة، وما زلتَ تعاني آثارها الثقيلة، وتقاسي حرمانها القاسي.
جميل أن يكونَ لك والدان يعتنيان بك، ويُغدقان عليك مِن حنانهما، وجميل أن يكونَ لك إخوة وأخوات يُبادرون بالسؤال عنك، ويتفقَّدون أحوالك، وجميل أن تكونَ لك رفقة طيبة تُمازحهم ويمازحونك، فيدخل السرور على قلبك، وتملأ السعادة نفسك، لكن الأجمل والأكمل أن تنبعَ قوتُك مِن داخلك، فلا تعتمد على والدٍ قد يَشيب، ولا على أخٍ قد يتبدَّل حالُه، ولا رُفقة قد ترضى وقد تسخط عليك، فإذا ما رضي الأصحابُ عنك فالحياةُ طيبة، وإذا ما سخطوا فالجحيم!
أنت يا ولدي قويٌّ بإيمانك، صلبٌ مِن داخلك، لا تحتاج إلى بشرٍ ضعافٍ قد توافيهم المنيةُ كما تُوُفِّي صديقُك رحمه الله، وقد تتبدَّل بهم الأحوالُ فيُصبحون عاجزين عن مد يد العون لك.
إن لم تنبع القوةُ مِن داخلنا فلن تستقيم لنا الحياة!
قد يكونُ الحرمانُ العاطفي سببًا في ارتكاب المحرَّمات، ومنها العلاقات الشاذَّة، ولكن سلْ نفسك - وإني لأعلم الإجابة مسبقًا كما قرأتُها لكثيرٍ من الشباب والفتيات -: هل تُخفِّف تلك الأفعال مِن شدة الحرمان؟ هل تروي عطشك من عطف الوالدين أو الصحبة الصالحة؟
لن تزيدَك إلا همًّا على همِّك، ولن تكسبك إلا الضعف والخوَر، وستنزع ما تبقَّى لك من ثقة في تعامُلك مع مَن حولك، ففَكِّرْ كيف تعتمد على أمورٍ تُعينك ولا تُعرقل كل خطوة تخطوها نحو سعادتك وصلاح شأنك.
مِن اليسير أن أسردَ لك خطوات قرأتُها مسبقًا لمختصِّين عن ترْك العادة المشينة، أو أعرض لك أثرها المدمِّر على دينك ودُنياك، ولكن يسهل عليك الحُصول على ذلك، في حين لن تفلحَ تلك الخطوات وأنت بهذا الضعف والشعور بالانهزامية؛ إذ ستراسلنا مِن جديد أنك لم تفلحْ في تجاوز المِحنة، ولن تتمكن من العبور وحدك، فالمشكلةُ يا ولدي في جذوة من لهيب البُعد عن الله، والتيه في عالم أسود لن تتمكن مِن الخلاص منه إلا أن تكسرَ الحواجز من الداخل، وتحطمها بقوتك التي أمدَّك الله بها أولًا، وحينها ستجد كل السبُل مُفتحة أمامك، وكل الطرُق مُمَهَّدة للسير عليها.
أول ما أنصحك به تقوية صلتك بالله، كيف؟
• اقرأ في بعض كتُب العقيدة التي تراها سهلةً عليك، على أن تكون لشيوخٍ ثقاتٍ كابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، ولن أفرض عليك كتابًا بعينه، بل سأترُك لك حريةَ الاختيار حتى تنتقي أيسرها وأصغرها حجمًا، وجرِّب أن تكون خلوتُك في غرفتك بها وقتٌ لمتعة القراءة، ولن أخبرك عن الأثر العظيم الذي ستجنيه بعد وقت مِن ذلك، سأنتظر أن تخبرني أنت إن شاء الله.
• ثانيًا: عليك برفقةٍ صالحة، ولا تشترطْ في نفسك أو تُلزمها حسن الحديث أو اللباقة في الكلام أمامهم، وإلا فأنت غيرُ صالح لمرافقتهم، دَعْ عنك كل ذلك، فستجد هناك من يتمسك بصُحبتك لجمال روحك ونقاء سريرتك، فقط ابحثْ واجمعْ وبادرْ بالعلاقات الطيبة، وكلُّ الأمور ستأتي مِن تلقاء نفسها، لكن مِن الصعب أن نقوَى على السير في طريق شائك دون صُحبةٍ طيبةٍ، تُشعرنا بجمال الأمور، ولا تكون هي المعين الوحيد وقت الشِّدة.
• ثالثًا: جرِّب أن تذهبَ لوالديك المسنين وتُقدِّم لهما يد العون؛ فقد وهَنَ العظمُ منهما وخارت قواهما، ولم يجدا ما يقدمان لك إلا الدعوات الطيبة والأمنيات الجميلة، فاذهب وقدِّم لهما المساعدات في أيِّ مجال، وستجد في نفسك قدرةً عجيبة على إسعاد نفسك وغيرك، وسترى كم أنت بطلٌ وقويٌّ، وبإمكانك أن تساعدَ نفسك كما ساعدتَ غيرك.
• رابعًا: لست مُلزمًا بملاعبة الصغار مِن عائلتك؛ فلكل إنسان منَّا شخصية واهتمامات، ولا داعي لإكراه النفس أو نهرها أو إلزامها بما لا تُحب، وعوضًا عن ذلك أحضرْ لهم بعض الحلوى اليسيرة، وقدِّمْها لهم بشخصيتك الجادة الهادئة، وستحل في نفس الصغار محل الملاعبة.
• خامسًا: لا تجلسْ حبيسًا في غرفتك، اخرجْ منها لتفقد أحوال مَن في البيت وتلمس احتياجاتهم، واخرج من البيت كل يوم، ابحثْ عن نفسك في كل مكان، ومع كل صديق ترى فيه الصلاح، وإياك والرُّفقة الخبيثة التي تُزين المنكر وتُقبح المعروف.
• سادسًا: الحديث مع الناس لا يحتاج لخطيب مُفَوَّهٍ بقدر ما يحتاج لمن يشعر بهم، ويقدر على أن يُشعرهم بنفسه، وإن كنت ترى في نفسك عدم القدرة على الحديث، فجَرِّب أن تمثلَ الحديث مع الناس في غرفتك بصوتٍ معتدلٍ، وجرب أن تفتحَ حوارات ترى صلاحها، وبعد ذلك طبِّق ما فعلتَه أمام الأهل أو الأصحاب، وستُفلح بإذن الله.
أخيرًا:
قال بعض الحكماء:
(الفشل) لوحةٌ مكتوب عليها: ليس في هذا الاتجاه، لكن البعض يقرؤُها: توقَّف!
فكل ما عليك أن تُغيِّرَ الاتجاه لترى وجهتك الصحيحة، لكن إياك إياك أن تتوقفَ.
وفقك الله وأصلح شأنك، وجعل لك مِن كلِّ عثرة نهوضًا رائعًا
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل