ما مشكلتي؟!
يحيى البوليني
السؤال:
أنا متزوج، عمري 25 سنة، ولي من زواجي سنة وأربعة شهور، ولكن بعد زواجي تحولت حياتي إلى جحيم مستعر؛ فتارة لا تسمع زوجتي كلامي، وتتعمد إغاظتي، وتارة يأتي أهلها ويدّعون عليّ بأني سرقت منهم 1000 ريال، ويحلفونني على المصحف، بل ويمنون علي أن زوجوني ابنتهم الوحيدة، بل أيضاً عندما حصل خلاف بيني وبين زوجتي ووصل الأمر إلى أبيها وأمها، فرضوا علي مبلغ 4000 ريال وطقم ذهب، وعندما أتيت برجال من أهلي كي يكون هناك ترضيه للنفوس، قاموا بطردي أنا وأهلي وشتمي بقولهم (مخنث) وغير ذلك من الألفاظ البذيئة، والتي يستحي المقام من ذكرها، ولله الحمد والمنة سيرتي الذاتية تغنيني عن الحديث عن نفسي، فلقد انتهيت من حفظ القرآن، ولديَّ تزكيه من شيخي بهذه المعلومة.
فأرجو منكم مشورتي بحكم خبرتكم وشكراً.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد:
حياك الله أخي الكريم، وأسأل الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا، وأن يرضينا جميعاً بما قسم لنا، كما نشكر لك أخي الكريم تواصلك مع موقع المسلم وثقتك به وبمستشاريه، ويجب أن يتنبه الجميع أننا نجيب على الاستشارات بحسب روايات من يرسل لنا، فنجيب على قدر ما أرسل، ولا نحكم على أحد، فلسنا نعلم الغيب، ولا ندرك من تلك القضايا أكثر مما يرد لنا من سؤال السائل، والعهدة أمام الله عليه.
وبعد أخي الفاضل:
فأحياناً في عالم الطب قد نشكو أوجاعاً نظنها غير مترابطة، ونحاول علاج كل منها على انفراد، ولو أمعن الطبيب النظر قليلاً لأدرك أن كل شكاوى المريض ما هي إلا أعراض لمرض داخلي لا بد أولاً من علاجه، ومهما بذل من جهد في علاج العرض فلن يعدو الدواء كونه مسكناً فقط، ولا بد من علاج المرض الأصلي، لكي تختفي الأعراض مجتمعة، وكذلك المشكلات التي تحيط بالإنسان، فلا تشغل نفسك بالعرض، وحاول علاج المرض لتختفي كل الأعراض مجتمعة.
ولهذا أرجو أن ننحي قضية زوجتك جانباً الآن، فلست أراها إلا عرضاً مؤقتاً أوافقك فيه على كونه مؤلماً، ولكنها – على كل الأحوال - ليست إلا واحدة من المشاكل التي ستقابلك في حياتك، والتي لا بد لك من محاولة وضع يدك على أصل الداء وحله قبل أن يستفحل في علاقات أخرى.
وقضيتك الأهم هي قضيتك أنت، وعلاقاتك وحقوقك وحفاظك على شخصيتك، والقدرة على السيطرة على نفسك وعلى رغباتك بحيث تتحكم فيها إن تعارضت مع كرامتك وشخصيتك، بل وكرامة أهلك أيضاً.
أخي الكريم:
زواجك تم قبل سنة ونصف، وربما تشعر بحاجة مادية ومعنوية شديدة لاستمراره، واقدر أيضاً المشاعر التي يكنها الزوج لزوجته، ورغبته في وجودها دائماً –وهذا حق لا أناقشك فيه– ولكني أتحدث عن هذه المشاعر إذا اقترنت بإهدار شخصية الرجل في بيته، وعدم قيامه بالقوامة التي جعلها الله له، واقترنت أيضاً بالإهانة والسباب من الزوجة وأهلها للزوج وأهله، وفرض المبالغ المادية عليه كاشتراط لكي تعود الزوجة لبيتها، ألا يدل كل ذلك على تنازل منك في جانب كرامتك، وكرامة أهلك وجعلها ثمناً لكي تعود الزوجة لبيتها وزوجها! إلا ترى معي أن هذا يخالف كل ما أمر به ديننا من الحفاظ على قيمة هي من أعز وأغلى القيم وهي كرامة الرجل وقوامته على بيته.
فما الذي يدفعك لذلك، وما الذي يجعلك تذهب إليهم المرة تلو المرة ويتهمونك بالسرقة ويسبونك بأحط وأخس الألفاظ التي عف لسانك عن ذكرها، ثم تتمسك بها، وتطلب رضاها، وتستعطفها لكي تعود إليك!
وأسائلك: لماذا وصلت إلى هذه الدرجة؟ فمن المفترض وهو الأصل أن المرأة هي الجانب الأضعف في البيت، وذلك بتسمية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها، وذلك في قوله: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ)) ووصفها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- هي وأخواتها في البيوت بالأسيرات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا)) فكيف يصبح الرجل بهذا الضعف أمام زوجته ويتحمل في سبيل بقائها كل ما يجرح شخصيته ويهين كرامته؟
كيف بها أيضاً أن تصل لهذه الدرجة من الاستقواء عليك وعلى اهلك، فتتعمد إغضابك ولا تطيعك وهي بنت وحيدة لأبيها وأمها، وهي أيضاً حالة تسبب ضعف المرأة بعد زواجها، فلاشك أنك قد قصرت كثيراً في حقك كزوج.
وكيف تقول: إنهم اتهموك بالسرقة أكثر من مرة ويطالبونك برد المبلغ المدعى أنك سرقته، ثم تقول: ذهبت لأسترضيهم أنا وأهلي، وتقول: بعد أن هدأت المشاكل، فهذا الاتهام لا يقبل الحلول الوسط، فإما أن تكون قد سرقت فعلاً فعليك إعادة المبلغ والتوبة إلى ربك، وإما أن تكون بريئاً فلا بد وأن تُظهر براءتك أمام الجميع، وتتمسك بهذا الحق الذي أراه أهم لك، وأشد خطراً من قضية زواجك كاملة، فيوسف -عليه السلام- لم يقبل أن يخرج من سجنه وهو مسجون بتهمة شديدة بعد أن لبث في السجن سنين طويلة، فرفض أن يخرج دون أن تظهر براءته، فماذا يملك الإنسان أن عاش بين الناس نصف برئ ونصف مدان؟
أخي الفاضل:
ما ينقصك في حياتك –وليس في زواجك فقط– هو الحسم وإمساك زمام الأمور وعدم تركها بالكلية إلى أن تفلت منك، فأنت حافظ للقرآن الكريم كما ذكرت وينبغي للإنسان أن يكرم تلك المنحة التي منحك الله إياها، فلا تهن نفسك ولا تقبل بأمر فيه هوان لك ولأسرتك.
فاحسم أمر السرقة هذه بداية دون أن تتطرق لموضوع الزوجة وعودتها لمنزلك فلا يصح أن تكون حاملاً للقرآن الكريم ومتهماً بالسرقة من أهل زوجتك.
واحزم أمرك مع زوجتك وأهلها بعد إنهاء موضوع الاتهام بالسرقة لأحد الأمرين، ولا حديث عن موضوع الزوجة قبل إنهاء ذلك الاتهام، وبعدها فإما أن تكون زوجة مطيعة لك تلتزم بواجباتها الزوجية التي أمرها الله بها لتعيشا في جو من الهدوء اللازم لكما بعيداً عن منغصات أهلها والاتهامات والسباب وغيره، وإما أن تتفرقا ويغني الله كلا من سعته والنساء الدينات الراغبات في زوج صالح كثير.
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وفقك الله وسدد خطاك.