الوحدة الوطنية هي الحصن الحصين وهي ايضا السلاح الأقوى في مواجهة المخططات التي تهدف إلى تفكيك الشعوب وتحويلها إلى أجزاء متناحرة. عندما نُدرك خطورة حروب الجيل الرابع والخامس، يتضح لنا أن المستهدف الأول منها هو تمزيق النسيج المجتمعي وزرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما حدث في دول مثل سوريا، العراق، وإيران.
مصر، بتاريخها العريق وتنوعها الديني والثقافي، تمتلك فرصة ذهبية لتجنب هذه المصير من خلال ترسيخ قيم الوحدة الوطنية وتعزيز التعايش بين المسلمين والمسيحيين، بل بين جميع أطياف الشعب.
لماذا الوحدة الوطنية مهمة لمصر؟
1. مواجهة مخططات الفتنة الطائفية:
المخططات التي تستهدف الدول تبدأ عادة بمحاولات لتأجيج الصراعات الطائفية والدينية. في مصر، لطالما كان هناك محاولات لإحداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين، مثل تفجير الكنائس أو نشر الشائعات. ولكن تماسك الشعب ورفضه لهذه المحاولات كان دائمًا السد المنيع أمامها.
2. تجنب سيناريوهات التقسيم:
ما حدث في سوريا والعراق من انقسامات طائفية وحروب أهلية يمكن أن يكون درسًا لنا. في تلك الدول، استغلت القوى الخارجية التنوع العرقي والطائفي لخلق ميليشيات مسلحة وطوائف متناحرة.
الوحدة الوطنية هي الدرع الذي يحمي مصر من هذا السيناريو.
3. الحفاظ على قوة الدولة:
أي دولة تفقد وحدتها تفقد قدرتها على مواجهة التحديات. الانقسام الداخلي يُضعف المؤسسات، ويجعلها عُرضة للابتزاز الخارجي والهجمات السيبرانية، وهو ما تسعى إليه حروب الجيل الرابع والخامس.
كيف يمكن تحقيق الوحدة الوطنية في مصر؟
1. تعزيز ثقافة التعايش:
نشر التوعية بقيم التسامح واحترام الآخر في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية.
الاحتفاء بالمناسبات الوطنية التي تعزز الوحدة مثل ثورة 1919، حيث خرج المسلمون والمسيحيون يدًا بيد.
2. محاربة الشائعات والتحريض:
مراقبة المحتوى الذي يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعاقبة مروجي الفتن.
إطلاق حملات توعية تُفند الأكاذيب التي تهدف لإثارة الفتن.
3. تعزيز القوانين المساواة:
التأكيد على سيادة القانون وحماية حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم.
معاقبة أي شخص أو جهة تروج للتمييز أو الكراهية.
4. التأكيد على دور المؤسسات الدينية:
تشجيع الأزهر والكنيسة على مواصلة الحوار البناء، وتعزيز خطاب التسامح.
إطلاق مبادرات مشتركة بين المسلمين والمسيحيين تعزز الوحدة، مثل برامج العمل التطوعي والمشروعات الخيرية.
5. التأكيد على الهوية الوطنية:
الهوية المصرية ليست مسلمة أو مسيحية، بل هوية تجمع كل أبناء الوطن.
تعزيز فكرة أن الدين لله والوطن للجميع، وهي القاعدة التي يمكن أن تبني أمة متماسكة.
دروس مستفادة من دول أخرى:
سوريا والعراق:
انقسام المجتمع بين طوائف دينية وعرقية أدى إلى ظهور ميليشيات مسلحة، وتسبب في صراعات دموية أضعفت الدولتين، وفتحت المجال للتدخلات الخارجية.
إيران:
النزاعات بين السنة والشيعة، واستغلالها سياسيًا، أدى إلى تكوين مجتمع مشحون بالكراهية، وأدى إلى استنزاف طاقة الشعب في صراعات داخلية.
لبنان:
الصراعات الطائفية حولت الدولة إلى مزيج من الأحزاب المتناحرة، مما أدى إلى إضعاف سيادة الدولة وتدخل قوى خارجية في شؤونها.
—
مصر نموذج للوحدة الوطنية:
في مصر، الوحدة الوطنية ليست مجرد شعارات، بل حقائق عاشها المصريون. منذ ثورة 1919 وحتى ثورة 30 يونيو 2013، كان الشعب يخرج يدًا بيد، مسلمًا ومسيحيًا، في مواجهة أي محاولات لزرع الفرقة.
كل كنيسة تعرضت لهجوم كانت تُعاد بناءها بدعم من الدولة ومساهمة من المسلمين والمسيحيين معًا، مما يؤكد أن المصريين يدركون أن قوتهم في وحدتهم.
إضافة الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تدعم فكرة الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين الناس تعزز المقالة بقوة. الإسلام دين يدعو إلى التآخي ونبذ التفرقة، وهناك العديد من النصوص التي تحث على ذلك. إليك بعض الأمثلة:
ولكم بعض من الآيات القرآنية التي تدعو إلى الوحدة والتعايش:
1. الدعوة إلى التعاون بين البشر جميعًا:
> “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة: 2).
هذه الآية تدعو المسلمين إلى التعاون مع الجميع فيما فيه خير ومصلحة، بغض النظر عن الاختلافات الدينية.
2. احترام التنوع الديني:
> “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” (الكافرون: 6).
هذه الآية تؤكد مبدأ احترام عقائد الآخرين، وأن الاختلاف ليس مبررًا للصراع.
3. التأكيد على خلق البشر من أصل واحد:
> “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (الحجرات: 13).
تدعو هذه الآية إلى الوحدة والتعارف بين البشر بدلًا من التفرقة والصراع.
4. رفض الفتنة والفساد:
> “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ” (البقرة: 191).
الفتنة بين الطوائف أو الديانات هي أشد أنواع الفساد، ولها تأثير مدمر على المجتمع.
الأحاديث النبوية التي تدعو إلى التسامح والمحبة:
1. الأخوة الإنسانية: قال النبي ﷺ:
> “مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يبين كيف يجب أن يكون أفراد المجتمع كالجسد الواحد، يساندون بعضهم في السراء والضراء.
2. نبذ العنصرية والتفرقة: قال النبي ﷺ في خطبة الوداع:
> “يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، إلا بالتقوى” (رواه أحمد).
هذا الحديث يضع الأساس للمساواة بين البشر بغض النظر عن اختلافاتهم.
3. الدعوة لحماية أهل الذمة (غير المسلمين): قال النبي ﷺ:
> “من آذى ذميًا فقد آذاني” (رواه الطبراني).
هذا الحديث يبين حرمة الاعتداء على غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي.
4. التأكيد على الرحمة في التعامل: قال النبي ﷺ:
“الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (رواه الترمذي).
الرحمة والتسامح هي أساس بناء المجتمعات القوية والمتماسكة.
الوحدة الوطنية ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لمصر. إذا أردنا أن نحمي وطننا من مصير مشابه لما حدث في سوريا أو العراق، فعلينا أن نعمل جميعًا، مسلمين ومسيحيين، يدًا بيد، لحماية نسيجنا الوطني.
مصر بمسلميها ومسيحييها هي نموذج للتسامح والمحبة، ويجب أن نعمل على ترسيخ هذه القيم لنُثبت للعالم أن الفتنة لا مكان لها هنا، وأننا شعب واحد مهما اختلفت دياناتنا