في النهي عن الغش
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله معزِّ مَن أطاعة واتَّقاه، ومذلِّ مَن خالَف أمره وعصاه، المبيِّن لنا طرق الخير والشرِّ، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي دلَّ أمَّته لما فيه خيرها، وحذَّرها عمَّا فيه شرُّها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - وراقِبوه في بيعكم وشرائكم، وفي جميع معاملاتكم، واحذَروا من الغش والخداع وأكْل أموال الناس بالباطل، فقد فشا الكثير من ذلك بين البائعين، وأصبح ذلك عادةً لهم وطبعًا، فقلَّ أنْ نجد بائعًا إلا وهو يغشُّ سلعته، ويُخفِي عيبها، قد تناسى الوعيد الشديد على ذلك، لم يمنَعْه خوف ولا حياء ولا شيمة، فتجد الكثير من بائعي الخضروات والفواكه والرطب يُخفِي الرَّدِيء منها في أسفل الوعاء، ويجعل على أعلاه قليلًا من الطيب، فيظنُّ المشتري أنَّ جميعه طيِّب، فيشتريه بقيمة الطيب، وعندما يفرغه في إنائه يمنعه الحياء من ردِّه، فيدفع قيمةً لم تطبْ بها نفسه لاختِلاف المبيع، بما ظهر فيه من غشٍّ عن القيمة المدفوعة، على أساس أنَّ جميعه طيب، فيقع البائع في الغش، وأخْذ المال بالباطل، فليس دفع البائع القيمة كاملةً دليلًا على رِضاه بالمبيع المعيب، فقد يأخُذ الرديء بقيمة الطيِّب مجاملة وحياء، وإنْ لم تطبْ نفسه بجميع ما دفَع من قيمة.
فيا مَن يَعتاد الغش في بيعه هلاَّ فكَّرت أنَّك بمنزلة المشتري وهو بمنزلتك بائعًا؟ فهل ترضى أنْ يغشَّك في البيع، ويخدعك في الثمن فيأخذ منك أزيد ممَّا يستحق المبيع؟ وهل ترضى أنْ يدفع لك ريالًا واحدًا ممزقًا من خمسين ريالًا؟ لا، سوف لا ترضى بريال ممزَّق من بين خمسين ريالًا، وسوف يبحث في جِيبه عن ريالٍ صالح يدفعه لك حتى تطيب نفسك، إذًا فما الذي يحملك على الغش في المبيع، فتجعل جزءًا منه طيبًا، وباقيه رديئًا وتستحل الثمن كاملًا؟ فأين تعاليم الإسلام؟ وأين ثمرات الإيمان؟ وأين التحابُّ والتآخِي؟
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه))، فهل تحبُّ لنفسك أنْ تغشَّ في المبيع؟ وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حمل علينا السلاح فليس منَّا، ومَن غشَّنا فليس منَّا))[1]؛ رواه مسلم.
ومرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلا جعلتَه فوق الطعام حتى يراه الناس، مَن غشَّنا فليس منَّا))[2].
ومرَّ أبو هريرة - رضِي الله عنه - بناحية الحرة، فإذا إنسان يحمل لبنًا يبيعه، فنظر إليه أبو هريرة فإذا هو قد خلطه بالماء، فقال له أبو هريرة: كيف بك إذا قِيل لك يوم القيامة: خلِّص الماء من اللبن.
كما أنَّ بعض الناس قد يبيعُ حَيوانًا أو سيَّارة أو آلةً من الآلات، ويكون المبيع معيبًا فلا يبين العيب للمشتري، فيقول: بعتك هذا بحالته الراهنة، أو يذكر عيوبًا كثيرة ليست في المبيع، ليُخفِي بذلك عيبًا موجودًا، فيظن المشتري أن لا عيب فيه، فيشتريه بقيمة السليم، فهذا أيضًا غشٌّ وخداع وأكْل للمال بالباطل، فلا بُدَّ من ذكر العيب للمشتري؛ حتى يدخل على بصيرة، وتبرأ ذمَّة البائع، ولا يترتَّب على ذلك شِقاق ونِزاع.
فيا عباد الله:
تخلَّقوا بأخلاق الإسلام، وتأدَّبوا بآداب سيِّد الأنام، وتذكَّروا قولَ الله وقولَ رسوله، ولا يحملنَّكم الطمع والجشع والهوى على الغش والخديعة وأكْل أموال الناس بالباطل، فإنكم مراقبون ومسؤولون، ولا خيرَ في مالٍ يوقع في المحارم والمآثم، ولا بارَكَ الله في تجارةٍ تحمل على الذنوب والمعاصي، واعلَموا أنَّ الشارع ما أمَر بشيء إلا فيه مصلحة، ولا نهى عن شيءٍ إلا فيه مضرة، فعليكم عباد الله بالصدق في مُعاملاتكم، والبيان فيما تبيعون، والسماحة في بيعكم وشِرائكم.
قال - صلى الله عليه وسلم - في حديثٍ عن حكيم بن حزام - رضِي الله عنه - ورواه مسلم: ((البيِّعان بالخيار ما ليم يتفرَّقا، فإن صدَق البيِّعان وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعهما، وإنْ كتما وكذَبَا فعسى أنْ يربَحَا ربحًا، ويمحقا بركة بيعهما))[3].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى))[4].
فاتَّقوا الله عباد الله، ولا تغترُّوا بكثرة الأموال والمكاسب، فقد تكون سببًا للهلاك في الدُّنيا والآخرة، وشُؤمًا على صاحبها إذا لم تُؤخَذ بالطرق المشروعة المباحة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] مسلم: [164 - (101)].
[2] مسلم: [164 - (102)].
[3] مسلم: [47 - (1532)] بنحوه.
[4] البخاري: (2076) - الفتح: (4 /359).