أول من تحدث عن الفوضى الخلاقة هو كاتبة الدولة الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، بعد أن كان المفهوم سريا في صفوف بعض التنظيمات.
حالة الفوضى ما زالت قائمة اليوم في أنحاء مختلفة من العالم العربي، وطالما لم تهدأ الأمور وتستقر الأوضاع نهائيا، فإن وصفها ب"الخلاقة" شيء سابق لأوانه، إذ لا تزال الدولتان الكبيرتان، الولايات المتحدة وروسيا، تتحسسان الخطى في الوقت الذي تتراكم الخسائر على دول أخرى كانت في وقت ما أداة للفوضى الخلاقة إياها، من قبيل المملكة العربية السعودية التي وجدت نفسها أمام دولة عراقية شيعية، وأمام مخطط شيعي آخر في اليمن، وكذا أمام مخططات أخرى في سوريا، أغلبها في غير صالحها (أي السعودية).
كل هذا لم يمنع طرفا واحدا من استثمار الوضع واهتبال الفرص حتى قبل استقرار الخريطة نهائيا.
الطرف المستفيد من الفوضى هو إسرائيل. ففي الخمس سنوات الأخيرة، وأثناء انشغال العالم بما يحدث في البلدان العربية، مارست إسرائيل جرائمها ضد قطاع غزة على حين غفلة، وواصلت سياستها الاستيطانية، وضيقت الخناق على الضفة الغربية والقدس.
الفعل المباشر لم يكن هو المجال الوحيد الذي استثمرت فيه إسرائيل، بل كان التأثير على شكل الخريطة السياسية أحد أهم ما قامت به على المستوى الإستراتيجي، إذ أمنت حدودها مع مصر بالتعاون من النظام العسكري الحاكم في مصر، وتقول الأنباء أن إسرائيل ضغطت على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أن تتعامل واشنطن مع نظام السيسي كأفضل نظام ممكن بالنسبة إلى الكيان الصهيوني.
ما يزكي أيضا عملية تأمين الحدود الإسرائيلية هو الإرهاصات التي تخص تقسيم سوريا، وهو ـ في حال حدوثه ـ لا يخدم اي بلد آخر سوى إسرائيل، لأن القوى الكبرى ستعمل آنذاك على ضبط الأشياء على منوال اتجربة العراقية مع بول بريمر.
تبقى حالتان ستسعى إسرائيل إلى ضمان تحكمها في سير كل ما يتعلق بهما: أولهما السعي إلى تفتيت تركيا اعتمادا على الأكراد، وبالفعل بدأت المخططات الداعية إلى ذلك ولو سرا في هذه المرحلة، وثانيهما السعي إلى استيعاب الاتفاق النووي الغربي مع إيران كحدث وحيد عكر صفو المخططات الإسرائيلية بخصوص المنطقة. مع ذلك، يبدو أن الضمانات الغربية كانت كافية لإسرائيل لكي تتعامل مع الإتفاق وكأنه لم يكن، أمنيا طبعا.
بقلم: المتعلم دائما