تبرعوا تبرعك ينقذ حياة للتواصل واتس 00201098455601
دعوة للإنضمام لأسرتنا
لن يستغرق سوى ثوان معدوده _ لن تكتمل سعادة منتدى برامج نت الا بانضمامك اليها

اسم العضو
كلمة السر تأكيد كلمة السر البريد الإلكتروني تأكيد البريد الإلكتروني



هل انت موافق على قوانين المنتدى؟

    

قلعه برامج نت للشروحات    برامج مجانيه 

شرقية سات من اكبر منتديات الدش والريسيفرات وكروت الستالايت والشيرنج


العودة   منتديات برامج سات برامج نت Braamj Sat > برامج نت > الاسلامي مشاهده وتحميل اسلاميات Islamic

الاسلامي مشاهده وتحميل اسلاميات Islamic المواضيع المميزه بالمنتديات الإسلامية منتدى العلوم الشرعية منتدى السيرة النبوية الشريفة منتدى التاريخ الإسلامي منتدى المرأة المسلمة روضة المنتديات الإسلامية بإشراف zoro1 , messaide saadne , عبد العزيز شلبي nadgm ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين


آخر 30 مشاركات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-14-2016, 10:01 PM   #1
فريق منتدى الدي في دي العربي
مشرف ♥ ♥ برامج سات برامج نت مراقب من خلاله
 
الصورة الرمزية فريق منتدى الدي في دي العربي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
الدولة: عمان الاردن
المشاركات: 95,289
معدل تقييم المستوى: 104
فريق منتدى الدي في دي العربي is on a distinguished road
افتراضي ثقافة الالتزام الأخلاقي في الشعر الجاهلي
انشر علي twitter

ثقافة الالتزام الأخلاقي في الشعر الجاهلي


سعدية حسين البرغثي ود. يونس ابراهيم








يظهر مصدر الأخلاق من سلوك البشر وتضارب المصالح وتناقضها أحياناً معاً مما لا يستطيع الفرد أو الأفراد تحقيقها معاً، هنا يقوم الإنسان بتنظيم سلوكه ليتوجّه نحو الأهداف والغايات.













ومهمة الأخلاق تبنّي هذه الغايات أوّلاً، ثمّ تحديد القيم الّتي تساعد الفرد على القيام من نفسه بالاختيار بين المصالح والرّغبات.







والنّظام الأخلاقي من مهماته الأساسية تحديد الغايات الكبرى أوّلاً، والوسائل الموصّلة لذلك.







والثّقافة لها دور، فهي الحاكم، متى كانت حيّة قويّة فاعلة، فإذا ضعُف نظام القيم والأخلاق وذبلت الثّقافة، يصير قاعدة السّلوك هو " تحقيق الرّغبات السّلوكية " دون اعتبار للجماعة وسلامتها، بل دون مراعاة للمستقبل.







إذن لا خلاف في أنّ الأخلاق من سمات الإنسان الجوهرية، فبالأخلاق يتحدّد وبها يتميّز عن سائر المخلوقات، كما يتميّز بالعقل،فالإنسان كان ذو أخلاق، ولا تتقيّد الأخلاق بزمان دون غيره، ولا تنحصر بمجتمع دون آخر، بل هي نصبب الإنسانية جمعاء في كلّ زمان ومكان.







ولأنّ الأخلاق تتجسّد سلوكاً وتتبدّى أفعالاً في العلاقات الإنسانية، فإنّ الشّعر وجد فيها مجالاً رحباَ للقول في بابي المدح والفخر فردياً وجماعياً، والشّعر تعبير عن النفّس الإنسانية في تجلياتها المتنوّعة، ومحاولة للإمساك بجذوة الرّوح المطلقة إلى الكمال والنّزوع إلى الخير بلغته الجماليّة الخاصّة.







ولقد احتفى الشّعر - منذ بداياته - بالأخلاق، وسعى إلى تجسيد القيم الأخلاقية الّتي تظهر في سلوك النّاس ومواقفهم كنوع من التّبشير بهذه القيم وترسيخها لدى الأجيال.







ولقد ازداد اهتمام الشّعر العربيّ بعد ظهور الإسلام - أو هذا ما يُفترض - بالأخلاق انسجاماَ مع احترام الأخلاق، والتزاماَ بواجب الانتماء إلى الدّين الجّديد الّذي أولى الأخلاق منزلة سامية.







ومن هذا المنطلق شغلت قضية الالتزام الأخلاقي في الشّعر العربيّ منذ أن أشرقت شمس الإسلام اهتمام الدّارسين والباحثين، وتصوّر البعض منهم أنّ الشّعر الجّاهليّ قد أغفل هذه القضية، فحياة العرب ثأر ودماء ومجون وشراب، وسلب ونهب؛ نظراً لغياب القانون؛ حتّى إنّ معيار الحكم النّقدي لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار الجانب الأخلاقي، وإنّما كان ينظر إليه نظرة فنيّة خالصة.







ونسي هؤلاء أنّ الّرسول صلى الله عليه وسلم بُعِثَ ليتمّم مكارم الأخلاق التي تأصّلت جذورها في نفوس العرب، وقد جُبلوا عليها، فأضحت عندهم طبعاً وسجيّة، وثقافة، لا يستطيعون عنها حولا.







ومعلوم أنّ لكلّ ثقافة مكونات تحدّد طبيعة هذه الثّقافة، ومعلوم – أيضاً – أنّ أمة بلا ماضٍ ليست بذي حاضر ولا مستقبل، والأمة العربية لها ماضٍ عريق يضرب بجذوره إلى أعماق التّاريخ، وإن كانت ثقافتها في العصر الجاهلي ممدودة، فإنّها نهلت من ينابيعها العذبة بفطرتها السّليمة.







سنحاول في هذا البحث بعد تعريف مفهوم الثقافة والالتزام الأخلاقي أن نذكر أدلّة واضحة وبراهين ساطعة على ثقافة الالتزام الخلقي في هذا العصر، فقد توافرت على أعلى المستويات قولاً وفعلاً من خلال النّصوص الشّعرية في إطار الحديث عن القيم الخُلقية التي آمن بها المجتمع الجّاهليّ وقدّسها، وسنكتفي ببعض النّصوص تاركين المجال رحباً أمام القارئ ليغوص في أعماق أمهات كتب التّراث الأدبي والنّقدي لاستخراج الدّرر الكامنة، ثمّ نحاول الموازنة بين هذه القضيّة في الشّعر الجّاهليّ،والشّعر الإسلامي بشكل مختصر.







مفهوم الثّقافة في اللّغة:



أصل كلمة ثقافة " ثقف " ويُقصد بها الحذق والفهم والفطانة وسرعة التّعلّم وإدراك الشّيء والقدرة على ضبط الأمور.







يُقال: ثقف الرّجل ثقافة، أي صار حاذقاً، وثقفتُ الشّيء أي حذقته والرّجل المثقّف: الحاذق الفاهم[1].







وفي المعجم الوسيط: هي " العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها "[2]، أما تعريفها في المعجم الفلسفي فهي " كلّ ما فيه استثارة للذّهن وتهذيب للذّوق، وتنمية لملكة النّقد والحكم لدى الأفراد أو في المجتمع، وتشمل على المعارف والمعتقدات والفن والأدب وجميع القدرات التي يُسهم فيها الفرد في مجتمعه "[3]، والثّقافة بالمعنى العام هي: " ما يتّصف به الرّجل الحاذق المتعلّم من ذوق، وحسّ انتقادي، وحكم صحيح، أو هي التّربية التي أدّت إلى إكسابه هذه الصّفات ".







قال (روستان): " العلم شرط ضروري في الثّقافة، ولكنّه ليس شرطاً كافياً إنّما يُطلق لفظ الثّقافة على المزايا العقلية التي أكسبنا إياها العلم، حتّى جعل أحكامنا صادقة وعواطفنا مهذبة ".







ومن شروط الثّقافة بهذا المعنى أن تؤدي إلى الملاءمة بين الإنسان والطّبيعة، وبينه وبين المجتمع، وبينه وبين القيم الرّوحية والإنسانية[4].







الإلزام الخُلقي:



ثمّة عملية وراء صدور الخُلق عن الإنسان بصورة شبه تلقائية من غير فكر ولا روّية، هذه العملية يُطلق عليه (الإلزام الخٌلقي)،يتمّ هذا الإلزام عن طريق عمليتين متقابلتين: عملية ضغط وإلزام خارجي. يقابلها تفاعل واستجابة من داخل الإنسان، وهاتان العمليتان هما أساس المسألة الأخلاقية،وعنهما يصدر الخُلق.







ومبدأ الإلزام هو المحور الأساسي الذي يدور حوله النّظام الأخلاقي كلّه، ولا يمكن تصوّر قاعدة أخلاقيّة بدونه، وزوال فكرة الإلزام يقضي علي جوهر الحكمة العقلية والعملية الّتي تهدف الأخلاق إلى تحقيقها، فإذا انعدم الإلزام انعدمت المسؤوليّة، وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كلّّ أمل في وضع الحقّ في نصابه، وإقامة أسس العدالة، وحينئذ تعمّ الفوضى ويسود الاضطراب، وإذا كانت الأخلاق تؤول في النّهاية إلى مجموعة من القواعد، فكيف يتسنّى للقاعدة أن تكون قاعدة بدون أن تلزم الأفراد باتّباعها[5].







معلوم أنّ حياة العرب في عصر ما قبل الإسلام لم تكن كلّها ثأراً ودماءًً، ولم تَحُل روح العصبية بينهم وبين التّحلي ببعض القيم الخُلقية، فهذه العصبيّة هي الّتي دفعتهم إلى الأخذ بالثّأر، وانتزاع الحقّ بالقوّة، ورفض الظّلم والعدوان، والتّّّّحلي بالشّجاعة من أجل أهداف نبيلة[6].







ولم يكن أمر القبيلة فوضى داخلياً وخارجياً،لأنّ أفراد القبيلة متضامنون أشدّ التّضامن،تربطهم صلات ونظم بالقبائل الأخرى، وقيم يلتقون عندها، فتركوا لنا آثاراً شعرية اشتملت على الحكم والوصايا، تتضمّن نصائح خُلقيّة تتّسم بالتّفكير الفطري، تلك المُثل جمعتها كلمة (المروءة) والخلال الطّيبة[7] و" تتمثل المثل الجاهلية في (المروءة) وقد فُسّرت بأنّها كمال الرّجولة ومن المروءة: الحلم، والصّبر، والعفو عند المقدرة، وقري الضّيف، وإغاثة الملهوف، ونصرة الجار،وحماية الضّعيف، فإذا تمثّلت أمثال هذه السّجايا في رجل كان كاملاً، عظيم الشّأن في قومه، والمروءة عند الجّاهليين كالدّين عند المسلم.







وقد ورد أنّ المروءة " ألا تفعل في السّرّ أمراً وأنت تستحي أن تفعله جهراً "[8]، " فهي أقصى ما تكون من أخلاق الرجل الكامل الشّجاع، وقد أقرّها الإسلام في جملة ما أقرّه من فضائل الجّاهليّة، وورد: الدّين المروءة، ولا دين إلا بالمروءة "[9].







ومن المؤكّد أنّ الحياة الدّينية عند العرب ما هي إلا أراء وفتاوى أفتى بها رجال الدّين والمروءة والعقل والعلم[10]، وتقيد العرب بعرفهم وعاداتهم، " والعرف عندهم ما استقرّ في نفوسهم وبُثّ في ذهنهم، حتّى صار في حكم الدّين عندهم، فلا يجوز لأحد الخروج عليه وكسر حكمه، وعُرف القبيلة التي هو دينها، هو الّذي يعيّن لها الحلال والحرام، والمباح والمحرّم وأحكام رجال القبيلة من رؤساء وسادة وحكّام، هي منبع التّشريع والإفتاء في أمور الدّين والحقّ في القبيلة، وما يلائم طبيعة القبائل، ويناسب عقليتها وينبع من محيطها، يكون ديناً على القبائل إطاعته، لأنّه في صالحها جميعاً ولأنّ في مخالفته ضرراً بالغاً، فصار من ثمّ في درجة أحكام الشّرع عندنا[11] ".







لذا تمسّك العربيّ آنذاك بهذه العادات، لأنّها بمثابة القانون الّذي يحكمهم، فقد التزم بالعُرف والعادات، والتزم بالقيم والمبادئ، وآمن بها، وهي قيم تتّفق وروح الإسلام وتدل على وجود سنن وقوانين قبل الإسلام تُعتبر بمنزلة القانون أو الفقه في الإسلام، مع فارق واحد هو أنّ الفقه في الإسلام يرجع إلى الوحي والأوامر أو النّواهي النّبويّة، أما عُرف الجّاهليين فهو من وضعهم،ومن مؤثّرات خارجية لاتّصالهم بالأمم الأعجمية[12]، هذا بالإضافة إلى الدّيانات التي كانت منتشرة آنذاك حيث ديانة إبراهيم - عليه السّلام -، والمسيحيّة واليهوديّة، فهذه الدّيانات كانت لها مكانتها عند العرب في الجّاهليّة على اختلاف في قدر الانتشار، فقد غرست غير قليل من القيم في نفوسهم، وإن تلبّست بكثير من الانحراف[13]، وهذا يعني أنّ العرب استمدّوا أخلاقهم من فطرتهم السليمة، ومن وحي بيئتهم إلى جانب الدّيانات السّماوية خاصة الحنفية،التي جاء بها الإسلام ليبعثها ويضيف عليها[14].







إنّ النّظام الخُلقي يقوم على وسيلة ضبط لسلوك الفرد داخلياً، كما يكون الخضوع للقيم إرادياً دون إكراه، وهكذا تساهم القيم الخُلقية بقيام نوع من الاستقرار الاجتماعي، فإذا ضعُف الالتزام الأخلاقي، بدأت القلاقل والمتاعب وبدأ الشّك بالقيم والثّقافة المحلية كذلك، عند ذلك يصبح تحقيق الذّات وحيازة الاعتراف الاجتماعي متعارضين، مع احترام القواعد الأخلاقية السّائدة، وعندها يكون تأثير القيم والضّبط الاجتماعي قد ضعفا كثيراً، ومن ثمّ لم يعد ضبط سلوك الأفراد هيناً بل عسيراً.







علينا أن نسلّم بوجود إلزام خُلقي، إذ صدر الخُلق القويم عن العربيّ، الذي آمن بالمبادئ والقيم في ظلّ مجتمع قدّس هذه القيم، وتمسّك بها، لأنّه لا يُمكن تصوّر قاعدة أخلاقيّة بدون نظام أخلاقي، فالعربيّ كان ملتزماً خُلقياً نتيجة ضغط وإلزام خارجي تمثّل في العُرف والعادات، قابله تفاعل واستجابة من داخله حيث الفطرة السّليمة التي فُطر عليها، فقد أملت عليه التّحليّ بهذه القيم، لأنّه إنْ خالف العّرف والتّقاليد يكون خارجاً عن القانون، فعندما أسرف (طرفة بن العبد) في شرب الخمر -على سبيل المثال - أصدرت القبيلة قراراً حاسماً بطرده، لأنّه خرج عن العُرف وحدود الحشمة والحياء، وقد عبّر ذلك بمرارة في مثل قوله:









ومازال تَشْرَابيِ الخُمورَ،ولذَّّتي

وبَيْعي وإنفاقي طَريفي ومُتْلَدي



إلى أن تَحامتني العشيرةُ كلُّها

وأُُفْرِدْتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبّدِ[15]










ربما تزداد الأمور وضوحاً إذا تعرّضنا إلى بعض القيم التي آمن بها العرب آنذاك فثقافة الالتزام الخُلقي يبدو واضحة في الشّجاعة باعتبارها قيمة خُلقية تمسّك بها العربيّ من أجل أهداف نبيلة تتمثّل في الدّفاع عن النّفس، وعن حمى القبيلة، وعن الحقّ، فالحقّ في نظره القدرة أو القوّة، والقويّ هو صاحب الحقّ، لأنّه قادر على انتزاع حقّه، والذّود عن محارمه، " فالقدرة هي سبب من أهمّ أسباب تحقيق الحقّ وأخذه من المغتصبين، ثم عامل آخر هو العصبية بأنواعها من أبسط درجة فيها إلى أعلاها، فإنّها عامل آخر من عوامل الدّفاع عن الحقّ واستحصاله، لعدم وجود حكومة نظاميّة تقوم بتحقيق الحقّ، فقامت العصبية مقامها في استحصال الحقّ وفي تأديب الخارج عن العُرف، الّذي هو القانون "[16].







لقد عاش العربيّ في خطر داهم في أحضان الصّحراء القاسية، فعليه وقعت مسؤولية الدّفاع،واّلذي لا يدافع عن نفسه كما قال (زهير بن أبي سلمي) يكون مظلوماً مهاناً:









وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عن حوضِهِ بِسِلاحِهِ

يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِم النَّاسَ يُظْلَمِ[17]










وكان لزاما علي الحرّ الكريم أن يركب المخاطر، ويخوض بحور المنايا من أجل الحصول علي الأموال لتقديمها للمساكين ذوي المتربة والمقربة، كما فعل الصّعاليك، الذين ضربوا أروع الأمثلة في تحطيم الفوارق الطّبيعية آنذاك يقول، أميرهم (عروة ابن الورد) مبيناً هدفه من الغزو مخاطباً زوجه الّتي تخاف عليه الرّدى:









ذَرِيْنِي أُطَوِّفُ في البلادِ لعلّني

أُخَلِّيْكِ أَوْ أُغْنِيْكِ عن سُوءِ محضرِي



فَإِنْ فَازَ سَهْمٌ المنيةِ لم أَكُنْ

جَزُوْعَاً، وهل عن ذاكَ من متأخَّرِ



وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعدَ

لَكُمْ خَلْفَ أَدْبَارِ البيوتِ ومَنْظَرِ



فجوعٍ لأهلِ الصّالحينَ مزلةً[18]

مخوف رداها أن تصبك، فأحذر



أبي الخفض من يغشاك من ذي قرابة

ومن كلّ سوداء المعاصم تعتري[19]










آمن بهذا المبدأ والتزم به،معرّضاّ نفسه للهلاك من أجله، ومَنْ يبذل دمه رخيصاّ يوم الّلقاء من أجل أهداف نبيلة يضرب بكلّ قوّة على وتر الالتزام الخّلقي لأنّه يرفض الموت حتف أنفه، ويُفضّل الموت بالسّيف حتّى تسيل نفسه ودمه عليه وفي ذلك يقول شاعرهم:









إِنَّا لَنُرْخِصُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَنْفُسَنَا

ولو نُسَام بها في الأمن أُغْلِيْنَا[20]














ولِمَ لا،" فالعربَ كانوا يتمادحون بالموت قعصاً، ويتهجون بالموت على الفراش،ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه، وأوّل من قال ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم[21]، لذا صبر العربيّ على جمر المعارك، لأنّ خُلق الشّجاعة أملى عليه ذلك، فلا مجال للنّكوص والتّعريد،لأنّ ذلك معرّة وعيب كبير.







ومن أحسن ما قالوا في الصّبر قول (نهشل بن حرّي بن ضمرة النّهشليّ):









ويَومٍ كأنَّ المصطلينَ بحرّه

وإن -لم تكن نار - قيام على جَمرِ



صَبرنا له حتّى يَبُوخ وإنّما

تُفرّج أيام الكريهة بالصّبرِ[22]










وخير عزاء في الصّبر على أهوال المعارك الثّمار التي يجنيها الصّابرون من عزّة وكرامة وسمعة طيبة تعبّق بشذاها ريح الصَّبا، نلمح ذلك في قول (الأخرز بن جُزّي):









وَأَرْكَبُ الكُرْهَ أَحْيَانَاً وَأَحْمَدُهُ

وَرُبَّمَا نَالَ في الكُرهِ الفَتَى الرُّعُبَا



لا تَجْزَعَنَّ لِكُرْه أنْتَ راكِبُهُ

واجْسُرْ عَليهِ ولا تُظْهِر لهُ رُعُبَا[23]










وقد أمليت عليهم هذه الثّقافة الاعتراف بالهزيمة، و إنصاف العدوّ والشّهادة له بالقوّة والشّجاعة، وفي ذلك يقول (زهير بن الحارث الكلابي):









سَقَيْنَاهُم كُأْسَا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا

وَلكنَّهُمْ كانُوا علي الموتِ أَصْبَرَا[24]










إنّ الحديث عن الصّبر في ميدان القتال يدفعنا إلي الحديث عن الصّبر بوصفه قيمة خُلقيّة، فقد عاش العربيّ في بيداء مليئة بالمخاوف،حيث القفار الجرداء والوديان الموحشة المليئة بالوحوش الضّارية، والحيات السّامة، فضلا عن الرّياح العاتية، وأشعة الشّمس المحرقة التي تصبّ حمماً تحوّل الصّحراء إلي جحيم لا يُطاق، والليل وصورته القاتمة لأنّها تمثّّل في نفس العربيّ الرّعب والخوف والوحشة، فعندما يرخي الّليل سدوله، وتتحرّك جحافل الظّلام، يتراءى للمرء غير قليل من الأوهام والخيالات حيث: الجن والشّياطين والغيلان.







لقد تعوّد العربيّ علي هذه الحياة، وصبر علي التّفرد بالفلوات والقفار، لأنّه جُبِل على هذا الخُلق،فقد صبر على حُميّا المعارك –كما ذكرنا آنفاً – وعلى نوائب الدّهر، ولم يثنه هذا الخّلق على ما نزل به من نوازل، وما حلّ به من خطوب جسام لأنّه فُطر على ذلك، فهو يخشى شماتة الأعداء، ولوم الأصدقاء، وهو حرّ كريم يأبى الذّلّ والجزع، لأنّه أدرك أنّ الجزع لا يُجدي نفعاً، ولا يردّ فقيداّ، لذلك تمسّك بهذا الطّبع، وأثنى على الصّابرين في البأساء والضراء، وافتخر بذلك، وتجرّع مرارته، وفي ذلك يقول الجّمّال العبدي:









لا النّائباتُ لهذا الدّهرِ تْقَطُعني

والصَّبرُ منّي على ما نَابَنِي خُلُقُ



إنّ الكريمَ صَبُورٌ كيفَمَا انْصَرَفَت به

الصَّروفُ إذا ما أفْلَقَ الفَرَقَ[25]










وأحسن ما قيل في الصّبر على نوائب الدّهر قول عبيد الله بن الأبرص:









صَبّرِ النَّفْسَ عند كُلِّ مُلِمٍّ

إِنّ في الصّبر حِيْلَةَ المُحْتَالِ



رُبّما تَجْزَعُ النُّفُوسُ من الأم

رِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ[26]










ولا بأس من الاعتذار عند الجزع إذا عَظُمت المصيبة وجلّت، كما ذكر (أعشى باهلة) راثياً:









فَإِنْ جَزِعْنَا فَمِثْلُ الخَطْبِ أَجْزَعَنَا

وَإِنْ صَبَرْنَا فإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ[27]










وصبر العربيّ على الجوع والفقر، لأنّ عفته تُملي عليه ذلك؛ حتّى لا ينزلق في مهاوي المذلّة والهوان، فالموت عنده أكرم من حياة الذّلّ، عبّر عن ذلك (عنترة ابن شداد) في مثل قوله:









ولقدْ أَبِيْتُ على الطَّوى وأَظلُّهُ

حَتَّى أنالَ به كَريمَ المأْكَلِ[28]










وقد أعجب الرّسول صلى الله عليه وسلم، فقال " ما وُصِفَ لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة "[29].







وضرب الشّعراء الصّعاليك أروع الأمثلة في العفّة والتّرفع عن الدّنايا والضّيم، والصّبر على الجوع، الذي أضحى مجالاً للفخر بقوّتهم وصدق عزائمهم، فهذا (أبو خراش الهذلي) يرسم صورة نبيلة للجوع، الّذي حاول النّيل منه، وأنّى له ذلك حيث يقول:









وإِنّي لأُثْوِي الجُوعَ حتَّى يَمَلَّنِي

فَيذهَبَ لم يَدْنَسْ ثيابِي ولا جِرْمِي



واغْتَبِقُ الماءَ القَراحَ فانتهي

إذا الزّاد أَمْسَى للمزلَّج ذا طَعْمِ



أَرُدُّ شُجاعَ البَطْنِ قد تَعْلَمِيْنَه

وأُوثرُ غيري من عِيالكِ بالطُّعْمِ



مخافَةَ أنْ أحيا بِرَغْمِ وذِلّةٍ

وللموتُ خَيْرٌ من حَياةٍ على رَغْمِ[30]










والّذي يُهمّنا من هذه الصورة موقفان:



الأوّل: الموقف الإنسانيّ النّبيل الفريد الّذي تمثّل في إيثار الغير على عياله في الطّعام، الّذي وصل بالشّاعر إلى أعلى مراتب المروءة.







والآخر: صبره على الجوع، خوفاً من حياة الذّل والهوان، فالموت عنده أهون من ذلك، وفي ذلك تعبير عن أريحية فريدة، والتزام خلقي متميّز.







وخاض (الشّنفري) في لاميته صراعاً مريراً مع الجوع، حيث المماطلة والتّسويف حتّى أماته؛ لاجتناب الذّام[31].







وآمن العربيّ بالوفاء، لأنّه تربّى عليه، وغدا خُلقاً عامّاً عنده، وتحلّى به بخاصّة أنّه مبنيّ على الصّدق والقوّة والشّجاعة والتّضحية في سبيل هذا المبدأ، فالتّمسّك بالكلمة مقدّس عند العربيّ في ظلّ مجتمع تُلْقى القوّة بظلالها عليه، فلا مجال للغدر في قاموسهم ومن تسوّل له نفسه فعل ذلك، يُرفع له لواء في سوق عكاظ للتّشهير به، وتأديبه على مرأى ومسمع من القوم ليكون عبرة وعظة لسواه، فالالتزام الخُلقي يفرض على العربيّ التّمسّك بالوفاء وفي ذلك قال (الحادرة) لصاحبته(سميّة)، مفتخراً بهذه السّجيّة:









أَسُمَيّ ويحكِ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ

رُفِعَ الّلواءُ لنا بها في مَجْمَعِ



إنّا نعفُّ فلا نُريبُ حليفَنَا

ونكفُّ شحَّ نفوسنا في المطمع[32]










وخير مثال نسوقه في هذا المجال ما فعله (السموأل)، الذّي أودعه (امرؤ القيس) دروعاً، فجاءه (الحارث بن ظالم) أو (الحارث بن شمر الغسّانيّ) لأخذها، فتحصّن منه، فأخذ (الحارث) ابنا له غلاماً وكان في الصّيد، وهدّده بقتله أو يُسلّم الأدراع، فأبى، فضرب (الحارث) وسط الغلام فقضى عليه، وبذلك سطّر (السّموأل) أروع مثال في الوفاء، وحقّ له أن يفتخر بذلك، حيث قال:









وفيتُ بذمّةِ الكِندي إنّي

إذا ما خَان أقوامٌ وفيتُ



وأوصي عادياً يوماً بألاّ

تُهَدِّمُ يا سموألُ ما بنيتُ



بنى لي عاديا حصناً حصيناً

وعيناً كلما شئتُ استقيتُ[33]










لقد استحق أن يُضرب به المثل: أوفى من السموأل "[34]؛ لأنّه ضحّى بفلذة كبده، ولم يضعف أمام التّهديد والوعيد.







أليس ما فعله ضرب من الالتزام الخُلقي ؟!، لقد ضبط سلوكه داخلياً وأخضعه إرادياً لهذه القيمة دون إكراه، أليست هذه ثقافة متأصّلة، وحيّة وقويّة وفاعلة ؟!، ألم يرقَ إلى أعلى مراتب المروءة ؟! ألم يقدّم لنا درساً عملياً في هذا المجال ؟!







والتزم (عدي بن زيد) بالوفاء مع الأصدقاء وإنْ خانوا في مثل قوله:









وما بَدَأتُ خليلاً لي أخاً ثِقَةً

بِرَيْبَةٍ ولا رَبِّ الحلِّ والحَرَمِ



يأبى لِيَ اللهُ خَوْنَ الأصفياءِ وإنْ

خَانُوا وداري لأنّي حاجزي كَرَمِي[35]










ولم يقتصر الوفاء على الرّجال، فتعدّاه إلى النّساء، فمن الأسماء الّتي لمع نجمها في هذا المجال (فكيهة) الّتي غدت مضرب المثل في الوفاء بين النّساء.







يُذكر أنّ (السٌّليك بن السُّلكة) أغار على بني عواد " بطن من بطون مالك" وعجز عن الظّفر بشيء، وأرادوا مساورته، فلمّا رأى أنّه مأخوذ لا محالة، حاملهم وقصد لأقرب بيوتهم وولج على امرأة يُقال لها (فكيهة)، فاستجار بها، فمنعته، وجعلته تحت حمايتها، ودافعت عنه بكلّ ما أُوتيت من قوّة، فلمّا تكاثروا عليها كشفت خمارها وطلبت النّجدة من إخواتها فنجا (السُّليك) من براثن سيوف القوم[36].







وثمّة ضغط خارجي، يقابله تفاعل واستجابة نابعة من نفسية الإنسان في الكرم باعتباره قيمة خُلقية تتجلّى في حوافزه، ومن هذه الحوافز:



1- تحقيق الثّّناء والحمد: كان العربيّ جواداّ يسعى لتحقيق الثّناء والحمد؛ لأنّه أغاث المعوزين ذوي المتربة، وفي ذلك يقول رجل من آل حرب ردّاً على من لامته لمبالغته الجود:









قالت أرَاكَ بما أنفقتَ ذا سَرَفٍ

فيما فَعَلتَ فَهَلاّ فيك تَصْرِيدُ



قُلتُ اتركيني أَبِعْ مالي بِمَكْرُمَة

يَبْقَى ثنائي بها ما أوْرَقَ العُوْدُ[37]










2 - الخوف من الذَّمَ: كان لزاماًً على المضيف أن يكرم ضيفه؛ حتّى لا يكون لُعْنَة للنّزّل، أشار إلى ذلك (عمرو بن الأهتم) في مثل قوله:









وكلُّ كَريمٍ يتَّقي الذَّمَّ بالقِرَى

وللخير بين الصّالحين طريقُ










وكذلك (حاتم الطّائي) في إطار حديثه لزوجه (ماويّة):









إذا ما صنعتِ الزَّادَ، فالتمسي له

أكيلاّ، فإنّي لستُ آكله وحدي



أخاً طارقاً، أو جارَ بيتٍ، فإنّني

أخافُ مذمّاتِ الأحاديثِ من بعدي[39]













يتبع

__________________

من مواضيع فريق منتدى الدي في دي العربي

فريق منتدى الدي في دي العربي متواجد منذ قليل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

 
أخر الموضوعات
- بواسطة zoro1
- بواسطة zoro1
- بواسطة zoro1
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة روايدا
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة Hosam1000
- بواسطة Abo Zayed
- بواسطة Abo Zayed
- بواسطة Abo Zayed
- بواسطة shqawe

استطلاع
ما هى الاقتراحات التى تريد أن تقدمها لتطوير خدمات و تصميم شبكة عالم الانترنت
هذا التصويت مفتوح (مرئي) للجميع: كافة الأعضاء سيشاهدون الإختيار الذي قمت بتحديده ، فيرجى الإنتباه إلى هذه النقطة .

إعلانات
فيسبوك

إدعموا منتدى الدي في دي في ترتيب أليكسا :: الدال على الخير كفاعله ::حديث نبوي صحيح::

إدعموا الدي في دي في ترتيب أليكسا :: الدال على الخير كفاعله ::

فيسبوك

لوحة اعلانية
::صفحات صديقة :: معهد ترايدنت :: منتدى برامج نت :: برامج المشاغب - ملتقى العلماء وطلبة العلم - الريان تيوب - جريدة الديار -عمال مصر- قهوة الصحفيين - جريده اخبار بتروجت :: للإعلان :: واتس 00201558343070 بريد إلكتروني [email protected] أو يمكن التواصل معنا مباشرة عبر نموذج الاتصال بنا علي الرابط الآتي https://dvd4araab.com/vb/sendmessage.php للتواصل عبر الواتس https://chat.whatsapp.com/Bekbfqlef3ZInj31Jhk99j


تنبيه للاعضاء تود إدارة المنتدى ان تؤكد لكافة الاخوة الاعضاء بانه يمنع نشر أي مادة إعلامية تسيء للاديان أو تدعو للفرقة المذهبية او للتطرف ، كما يحظر نشر الاخبار المتعلقة بانشطة الارهاب بكافة اشكاله اوالدعوة لمساندته ودعمه، حيث ان ذلك يعتبر خروج صريح عن سياسة المنتدى ، كما قد يعرض المشارك الى المساءلة النظامية من الجهات الرسمية ذات العلاقة، شاكرين ومقدرين للجميع حسن التزامهم باهداف ومبادىء المنتدى.


الساعة الآن 09:01 AM

converter url html by fahad

 



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Adsense Management by Losha

هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Developed By Marco Mamdouh
Please seek an excuse for DVD FORUM it is not responsible for the coming of topics by members and put the responsibility entirely on the subject's owner , DVD FORUM is open forum for members to put different subjects in striving for a review of topics, according to general laws for the protection of property . If there are any company or institution has a problem with one of the topics, please contact us. DVD FORUM is not responsible for any topics written within the forum. Only the author of the topic bears full responsibility for the topic he submitted. If you encounter any problem arises in the content, please email us

Security team

DMCA.com Protection Status

هذا الموقع يستعمل منتجات MARCO1

All Rights Reserved WaelDesign © 2010/2011

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303