عقبات في طريق الدعوة...ضعف الاستجابة
د. عامر الهوشان
قد يبذل الداعي إلى الله تعالى جهدا مشكورا في دعوة الناس إلى الخير وتذكيرهم بضرورة العودة إلى الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه ثم لا يجد من المدعوين الاستجابة المرجوة و التفاعل المتوقع المأمول فتبدو عليه علامات الفتور وتظهر على نشاطه الدعوي أمارات التراجع وقد يؤدي أحيانا إلى يأس بعض الدعاة من الإصلاح وتوقفهم عن ممارسة واجب الدعوة إلى الله جزئيا أو كليا .
نعم....قد يحزن الداعي إلى الله حين لا يرى أثرا لجهده الدعوي المبذول ولا يجد نتيجة لنشاطه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وقد يضيق صدره وينقبض قلبه حين يرى إعراض الناس عن دعوة الحق وإحجامهم عن قبول ما ينفعهم في الدنيا وينجيهم في الآخرة .....إلا أن ذلك لا يصده عن واجب الدعوة ولا يجعله يفتر عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر97-99
قال ابن كثير : وَإِنَّا لَنَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ يَحْصُلُ لَكَ مِنْ أَذَاهُمْ لَكَ انْقِبَاضٌ وَضِيقُ صَدْرٍ. فَلَا يَثْنِيَنَّكَ ذلك عَنْ إِبْلَاغِكَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ كَافِيكَ وَنَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ فَاشْتَغِلْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَعِبَادَتِهِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ .
لا شك أن الشيطان الرجيم سيجد في ضعف استجابة الناس لدعوة الحق وإعراضهم عن حامل رسالة الإسلام منفذا لمحاولة إيقاف مسيرة كثير من الدعاة وإغلاق بعض أبواب الخير وعرقلة جهود إنقاذ الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
النقاط التي سيتسلل من خلالها إبليس اللعين إلى نفوس الدعاة إلى الله لصدهم عن الاستمرار في حث الناس على طاعته سبحانه بذريعة ضعف استجابتهم وإعراضهم ....ترتكز على محاولة زرع الإحباط في نفوس المصلحين وبث اليأس في قلوب الدعاة إلى الله من إمكانية النجاح في التغيير أو التأثير الإيجابي في المجتمع المسلم .
لا أمل بعد الآن في الاستمرار في الدعوة إلى الله مع هؤلاء ....ولا رجاء في مواصلة المحاولات مع قوم يصرون على الإعراض ويقابلون نشاطك الدعوي بمزيد من الاستهتار وعدم الاستجابة ... لقد استنفذت جميع الوسائل والأساليب معهم ولا عليك بعد اليوم لوم أو عتاب...........هذا غيض من فيض الوساوس التي يبثها الشيطان في نفوس الدعاة إلى الله في تلك اللحظات .
قد لا يكتفي الشيطان بتلك الوساوس فحسب , بل ربما يُنّصب نفسه مفتيا وعالما بأحكام الشريعة الإسلامية فيزعم أن الأفضل في حالة صدود الناس أن يتوقف الداعي عن أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر خشية أن يترتب على ذلك منكر أعظم .
الأصل في تجاوز عقبة ضعف استجابة الناس للداعي وإعراضهم عن دعوته التأسي بسنة المصطفى الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسيرته واقتفاء أثر خطواته التي ترسم للمصلحين معالم طريقة التعامل مع صدود الناس وضعف استجابتهم لما يدعون .
لقد كان من هدي النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الصبر على إعراض قومه عن دعوته والحلم على جفوتهم في ردهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعزم و على تبليغ رسالة ربه والحرص على هداية قومه وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان .
لم يكن مجرد الإعراض ورفض الدعوة وعدم قبولها هو الرد الوحيد الذي واجه به مشركو قريش رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم , بل مارسوا من أجل ثنيه عن الدعوة جميع وسائل الترغيب والترهيب التي وصلت إلى حد التآمر على قتله واغتياله صلى الله عليه وسلم .
وعلى الرغم من الإعراض والتكذيب والأذى الجسدي والمعنوي الذي طال خاتم المرسلين من قومه وبعض ذوي رحمه إلا أنه لم يفتر عن واجب تبليغ رسالة ربه ولم يدخر جهدا في دعوة قومه إلى ما يسعدهم في الدنيا وينجيهم يوم القيامة .
بل في أشد المواقف وأصعب الظروف وأحلك المحن اختار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحلم على قومه لا الدعاء عليهم وفضّل الصبر على عوائق ومصاعب هداية قومه على الجزاء العادل المستحق على إساءتهم .....
أساء أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما إساءة وقابلوا حرصه على هدايتهم وسعادتهم بالمبالغة في رفض دعوته وإيذائه فلم يكن منه صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا لهم بالهداية و أن يخرج الله من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله ولم يدع عليهم بنزول العذاب عظيم جرمهم وقبيح فعلهم .
جاء في كتب السنة والسيرة أنه صلى الله عليه وسلم طلب من سادة ثقيف أن يكتموا صدهم له ورفضهم لدعوته فلم يَفْعَلُوا وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس......قال صلى الله عليه وسلم : ( فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) صحيح البخاري برقم/3231
حادثة الطائف وأمثالها من مشاهد سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن تغيب عن ذاكرة الدعاة إلى الله كلما واجهتهم عقبة ضعف استجابة الناس أو إعراضهم عما يدعونهم إليه من خير وفلاح , فإذا كان حبيب الرحمن ونبي خاتم الأديان قد صبر على كل ذلك الإيذاء والتكذيب في سبيل الله فالدعاة أولى بالصبر على بعض الإعراض وشيء من ضعف الاستجابة .