من أقوال السلف في الهدية
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالهدية جالبة للمحبة, ولذلك ندب الإسلام إليها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «(تهادوا تحابوا)» [أخرجه أبو يعلى, وحسنه العلامة الألباني]
والهدية تُذهب ما في الصدور من بعض وكراهية. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «تهادوا فإن الهدية تُذهبُ وغر الصدر» )) [أخرجه أحمد]
وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن صفوان بن أمية قال: « والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ» [أخرجه مسلم]
للسلف أقوال في الهدية, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الحضُّ على التهادي, ولو بالشيء اليسير:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله, في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا نساء المسلمات, لا تحقرن جارة لجارتها, ولو فرسن شاة» قوله: (( فرسن )) هو عظم قليل اللحم, وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير, وقبوله, لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه...وفي الحديث الحضّ على التهادي ولو باليسير, لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت, وإذا تواصل اليسير صار كثيراً.
قبول الهدية, والمكافأة عليها:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله, في هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع: يقبل الهدية, ويكافئ عليها بأكثر منها, أو بأضعافها, تلطفاً وتنوعاً في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن.
** قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال إسحاق بن إبراهيم: سئل أبو عبدالله عن الرجل يُهدي إليه الشيءُ, أفترى له أن يقبل ؟ قال: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها, أرى إن هو قبل أن يثيب.
تخير الوقت المناسب للإهداء:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث عائشة رضي الله عنها: (( إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها _ أو يبتغون بذلك _ مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.)) وفيه: قصد الناس بال أوقات المسرة, ومواضعها, ليزيد ذلك في سرور المهدى إليه.
اختيار الهدايا المناسبة:
قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب على مقدار عقل كاتبه, والرسول على مقدار عقل مُرسله, والهدية على قدر عقل مُهديها.
هدية نافعة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الهدية النافعة, كلمة من الحكمة يهديها الرجل إلى أخيه المسلم.
هدية حسنة:
قال رجل لأبي الدرداء: إن فلاناً يقرئك السلام فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف.
إهداء العلم النافع:
«عن ابن أبي ليلى, قال: قال لي كعب بن عجرة, رضي الله عنهما: ألا أُهدي لك هدية ؟ قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك. ؟ قال: (( قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.)) » [متفق عليه]
إهداء الكتب:
قال الشيخ أحمد الباتلي: لما طُبع كتاب "السنن الكبرى" للنسائي، أهديته نسخةً منه، [الشيخ حسن بن عبداللطيف المانع] فشهق من الفرح وبكى.
إهداء العيوب:
** قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: ذكر ابن عبدالبر في " بهجة المجالس " عن مسعر قال: رحم الله من أهدى إلي عيوبي في سرّ بيني وبينه, فإن النصيحة في الملأ تقريع.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: كان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأً أهدى إلى أخيه عيبه.
** قال العلامة الألباني رحمه الله: رحم الله عبداً دلني على خطئي، وأهدي إلي عيوبي، فإن من السهل عليَّ – بإذن الله وتوفيقه- أن أتراجع عن خطإٍ تبين لي وجهه.
الفرح بإهداء العيوب:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى المهلك حتى تتقيه فينبغي أن تفرح به, وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها
إهداء الزهور للمرضى:
** سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله: انتشر في هذا الزمن ما يسمى: باقات ورد، خاصة عند دخولك المستشفيات، فما حكم إهداء الورد للمرضى، وهل هذا له أصل؟ ولماذا لا ينبه المسئولون عن هذه الظاهرة حتى تُتحاشى؟
فأجاب: لا أعلم لها أصلاً، لكن إذا كان فيها رائحة طيبة توجب سرور المريض واستئناسه فلا بأس بها ولكن أخشى أن تتطور المسألة ولذلك لو تركت لكان أحسن
ثم...قد يكون فيها قد يكون فيها ملاحظة أخرى وهي أن العائد للمريض كأنما يريد أن يفرحه تفريحاً حسياً جسدياً دون أن يدعو له بالشفاء والعافية ويقول: اصبر واحتسب فلك الثواب والأجر، لأنه يظن أنه بهذا الإهداء يُسر ويكسوه السرور الجسدي، هذه -أيضاً- قد توجب على الإنسان أن يتوقف في القول بحلها.
** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: في هذه السنين أخذ تهادي الزهور شكلاً آخر من إهدائه المرضى, وما كاد الكفار يفعلونه إلا وتقوم له الدعاية على قدم وساق حتى انتشر بين المسلمين وما كنت أظن أن العرب داراً ونسباً ولساناً ستبلغ بهم التبعية الماسخة إلى فعلته, ومن أثقل المظاهر أن ترى المريض في عقله يحمل الزهور _ مستقل ومستكثر _ إلى المريض في بدنه, وكان العكس أولى ؟ فالله أكبر إنها السنن (( لتتبعن سنن من كان قبلكم ))
لا تهدي حسناتك إلى غيرك:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: كلّ من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته.
إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا تهديها إليه أعنى أنك تهدي إليه حسناتك.
من منافع وفوائد الهدية:
** قال الله عز وجل:{ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون} [النمل:34_35] قال قتادة رحمه الله: علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس.
** قال الإمام ابن حبان البستي رحمه الله: العاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قدر عليه؛ لاستجلاب محبَّتهم إيَّاه.
** قال الإمام القرطبي رحمه الله: من فضل الهدية مع اتباع السنة, أنها تزيل حزازات النفوس, وتكسب المهدي والمهدى إليه رنّة في اللقاء والجلوس, ولقد أحسن من قال
هدايا الناس بعضهم لبـــــعض ***** تُــولـــــــــ ـــــد في قلوبهم الوصالا
وتزرعُ في الضمير هوى ووداً ***** وتُكسبهم إذا حضروا جمالاً
** قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال الهيثم بن عدي _ وهو إن كان كذاباً متروكاً فإنه إخباري علامة _ قال: كان يقال ما ارتضي الغضبان, ولا استعطف السلطانُ, ولا سُلت السخائم, ولا رفعت المغارم, ولا تُوقي المحذور, ولا استميل المهجور, بمثل الهدية والبر.
الهدية للكافر:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإنسان لا حرج عليه أن يطلب محبة الناس، أي أن يحبوه، سواء كانوا مسلمين أو كفار، حتى نقول: لا حرج عليه أن يطلب محبة الكفار له، لأن الله عز وجل قال: ? {لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلونكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم} ? [الممتحنة:8] ومن المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يُحبّونه، والمحذور أن تحبهم أنت.
على الطالب أن يوقر معلمه لهدايا العلم الكثيرة التي يحصل عليها منه:
قال العلامة السعدي رحمه الله: على المتعلم أن يوقر معلمه ويتأدب معه حسب ما يقدر عليه لما له من الحق...وإذا كان من أحسن إلى الإنسان بهدية مالية ينتفع بها, ثم تذهب وتزول, له حق كبير على المحسن إليه, فما الظن بهدايا العلم النافع الكثيرة المتنوعة, الباقي نفعها ما دام العبد حياً وبعد مماته. ولا يخرج عن إشارته وإرشاده وليجلس بين يديه متأدباً ويظهر غاية حاجته إلى علمه, ويدعو له حاضراً غائباً.
عدم قبول المعلمين الهدايا من الطلاب:
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا؛ لأنها قد تجرها إلى الحَيْفِ وعدم النصح في حق من لم يُهدِ لها، والزيادة بحق المهدية والغش، فالواجب على المدرسة ألَّا تقبل الهدية من الطالبات بالكلية؛ لأن ذلك قد يفضي إلى ما لا تُحمد عقباه، والمؤمن والمؤمنة عليهما أن يحتاطا لدينهما، ويبتعدا عن أسباب الرِّيبة والخطر، أما بعد انتقالها من المدرسة إلى مدرسة أخرى فلا يضر ذلك؛ لأن الريبة قد انتهت حينئذٍ والخطر مأمون، وهكذا بعد فصلها من العمل أو تقاعدها إذا أُهدوا إليها شيئًا فلا بأس.
شراء الهدايا من الأسواق التي يوجد فيها منكرات:
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: خارج المملكة نذهب إلى السوق لنشتري بعض الهدايا للأهل, ولكن يوجد في السوق موسيقى غربية, ونساء كاسيات عاريات, فهل يجوز لنا دخول تلك الأسواق أم لا ؟ فأجابت اللجنة بالفتوى رقم (15562): لا يجوز الذهاب إلى الأسواق التي فيها منكرات وفتنة, إلا لمن يستطيع إنكارها, لما في ذلك من الخطر العظيم على دين المسلم, وشراء الهدايا ليس ضرورياً.
الداعية إلى الله لا يقبل هدية على حساب ما يدعو إليه:
** قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال الله جل وعلا: {بل أنتم بهديتكم تفرحون } [النمل:36] أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف, وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: الذي يدعو إلى الله, وإلى الإسلام, لا يمكن أن يقبل هدية على حساب ما دعا إليه أبداً.
القاضي لا يقبل الهدايا:
** القاضي عافية بن يزيد قيس الأودي سبب فراره من القضاء أنه تثبت في حكومة, فذهب أحد الخصمين فأهدى له رطباً, فرده عليه وزجره, فلما تحاكم هو وخصمه إليه من الغد, قال: لم يستويا في قلبي, ووجد قلبي يميل إلى نُصرة الذي أراد أن يهدي لي, ثم حكاها للخليفة, وقال: هذا حالي وما قبلت, فكيف لو قبلت هديته ؟
** لما قدم المنصور دمشق, استعمل يحيى بن حمزة على القضاء, وقال له: يا شاب, أرى أهل بلدك قد أجمعوا عليك, فإياك والهدية.
** الشيخ علي بن محمد بن علي بن حمد آل راشد رحمه الله، من ورعه أن امرأةً أهدَتْ له تينًا، ثم جاءت من الغد تخاصم رجلًا عنده، فما كان منه إلا أن طلب ماءً فيه مِلْح، وتقيَّأ ما في بطنه، وقال: إن لي بأبي بكر الصديق أُسْوة.
** الشيخ صالح بن علي الغصون رحمه الله لما كان يعمل في سلك القضاء, كان حرزاً من قبول الهدايا, أو حضور المناسبات, وقد جاء إنسان ومعه بعض التمر يُريدُ أن يهديه للشيخ, فلما علم الشيخ رحمه الله قال لأولاده : قولوا له : إذا أردنا التمر وجدناه في السوق.
الهدية:
** قال الإمام البغوي رحمه الله: الهدية: هي العطية على طريق الملاطفة.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الهدية هي ما يُكرمُ به الموهوب له.
الإهداء للجيران والإخوان:
** قال الإمام أبي المظفر السمعاني: الهدايا بين الإخوان مستحبة.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية.