بــــسم الله الرحمن الرحيــــم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إخواني أخواتي
قد ينزعج البعض أو يستثقل المواضيعَ التي عليها مسحةُ النصح و سحنة الوعظ
و قد يُتهّم من يتصدّى لذلك ، بادّعاء المثالية ، أو التّدخل في ما لا يعنيه و غير ذلك
و قد يرمى بأنه يفضح و لا ينصح ، و أنه يُجرِّح و لا يُصحح
إخواني أخواتي
الإنزعاج من النّصيحة و الموعظة ، خطوة من خطوات الشيطن ، و مزلق من مزالقه
و الناصح و الواعظ ، ليس معصوما ، و ما ينبغي له ادّعاء ذلك
كيف ، و كل بني آدم خطّاء ... بما فيهم النّاصح و غيره
و قد يُخطىء الناصح أو المرشد طريق النّصيحة ، و لا يلتزم بضوابطها
فهو في كل هذا بشر يُخطىء كما يُخطئون و يصيب كما يُصيبون
إخواني أخواتي
إذا انزعجت من النّصيحة أو استثقلتها ، فاعلم أن الجنة حفت بالمكاره ، و أن الحق مر
إذا جال في الخاطر أن النّاصح مدّع للمثالية و أنه يحشر أنفه فيما لا يعنيه
و رأيته قد فضحك و لم ينصحك ، و أنه لم يلتزم ضوابط النّصح
فتلك أخطاؤه هو فانصحه فيها و تجنّب ما عِبته عليه ، لكن انظر في هذا الذي فضحك به
أو جرّحك بسببه أهو حق أو باطل ؟
فإن كان حقا ، فسارع إلى تصحيح مسارك ، قبل انصرام نهارك ، و تب و ارجع عن غيِّك و عوارك
و إن كان باطلا ، فلا سبيل له عليك ، و اعلم أن الخطاب لغيرك لا إليك
إخواني أخواتي
هبوا أن الناصح أخطأ في طريقة نصحه ( لكنّ نفسَ النصيحة حق و صواب ) ، و أن المنصوح أخذته العزة بالإثم ، و أنف من اتباع الحق
أيُّهما أشد جرما و أعظم خطرا
من أراد خيرا فأخطأ السبيل ، أو من نُصح على خطئه و بان له الحق ، لكن أخذته العزة بالإثم و أبى الإنقياد للحق
و أظن أن منهج العقلاء يقول :
لأن أُخطىء في النّصيحة أحب إلي من أن أرُدَّها
إخواني أخواتي
أغلبنا نتواصل من خلف الشاشات و ألواح الحروف ، و أغلبُنا لا يعرف أغلبَنا في الواقع
و أغلبنا مستتر خلف إسم مستعار و التحف برداء و إزار و تلثّم ببرقع و خمار
فأين الفضيحةُ و نحن لا يعرف بعضنا بعضا إلا من وراء حجاب
و قد يكون أحدكم جاري أو داري بحداء داري و لا يعلم أحدنا عن الآخر شيئا
إخواني أخواتي
لسنا أنبياء و لا رُسلا ، و لا ملائكة و لا مقربين و لا معصومين
قد نزِلُّ و قد نضل ، و قد نظلِم و قد نتعدّى
و من نعم الله علينا ، أن يُقيِّضَ إلينا من يرشدنا و يوجهنا ، و بالرغم من مرارة النصيحة و استثقال الناصح
فهو خير لك من الموافق الذي يزين لك الباطل بل قد يمدحك عليه
[[ لَأَنْ يُطْعَنَ المَرْءُ بِرِمَاحِ النَّصِيحَةِ وَ يُجْلَدَ بِسِيَاطِ الأَمْرِ بِالمِعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُتَوَّجَ بِتَاجٍ مِنْ سَرَابٍ وَ يُرْفَعَ عَلَى عَرْشٍ صَنَعَتْهُ حَنَاجِرِ المَادِحِينَ وَ مَقَالَاتُ المُدَاهِنِينَ ]]
أخي أختي
[[ هَبْ أَنَّ رَجُلاً يَرْجِعُ القَهْقَرَى ، زَائِغَ البَصَرِ شَارِدَ اللُّبِّ ، فِي خَطِّ سَيْرِهِ جُرْفٌ بَعِيدُ القَاعِ شَدِيدُ الغَوْرِ ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِ ،
أَخَذَ بِيَدِهِ آخِذٌ فَجَنَّبَهُ زَلَّةَ الرَّدَّى وَ عَثْرَةَ العَطَبِ ، فَشَكَرَ الرَّجُلَ وَ حَمِدَ ، وَ فَدَّاهُ بِالأُمِّ وَ الأَبِ وَ الوَلَدِ .
إِذَا قَيَّضَ اللهُ لَكَ امْرِءاً مِنْ أَهْلِ النَّصِيحَةِ وَ الرَّشَادِ يَدُلُّكَ عَلَى الخَيْرِ وَ يَنْهَاكَ عَنِ الشَّرِّ ، فَاستحْضِرْ أَنَّكَ الرَّاجِعُ القَهْقَرَى وَ أَنَّهُ الآخِذُ بِاليَدِ ]]
أخي أختي
قد أكونُ مُدّعٍ للمثالية الزائفة و لبَّاسَ أقنعةٍ ، قد أكون ناصحا لا يُحسن فقه النصيحة ، قد أكون امرءا أثقلَ من رحى الطّاحون و أشأم من وحى الطّاعون
....
لكن يبقى النّظرُ فيما قلتُه و نصحتُ به قائما . إن حقا فالعمل بمقتضاه واجبٌ و لو جاء من غير الطريق ، لأن العبرة بالبلاغ و قد حصل ...
و إنْ باطلا ، فالخطاب لا يعنيك ، و يبقى عليكَ إثباتُ البراءة من مقتضى النّصيحة ، لا الطّعن في باذلها
و أستغفر الله تعالى و أسأله العفو عن خطاياي و ذنوبي و ما كان منّي على غير السّبيل
إخواني أخواتي
إن لكم عليّ حقوقا ، و لي عليكم حقوق
و إن من حقكم عليَّ أن أنصح لكم ، و من حقي عليكم أن تنصحوا لي
و هي حق و واجب
إخواتي أخواتي
أنتم في حل مني ، و قد تصدّقتُ عليكم بعرضي ، فيما كان للآيب التائب
و أسألكم أن تجعلوني في حل مما قد أكون جنيتُه على نفسي في حقكم
فما يدري المرء ما قد خُبيءَ له في علم الله تعالى
العبد المُذنبُ في حق نفسه ، المُستحلُّ من إخوانه
الفقير إلى عفو ربه و مولاه
المهاجر إلى الله
السُّلمي