جغرافية الهند
أ. د. عبدالحليم عويس
شبه القارة الهندية عبارة عن عالم قائم بذاته معزول عن العالم؛ وهي عبارة عن شبه جزيرة تشبه في منظرها قارة أفريقيا بوجهٍ عام، فهي عبارة عن مثلث غير منتظم الأضلاع قاعدته إلى أعلى ورأسه إلى أسفل، وقاعدته جبال الهمالايا الشامخة، ورأسه رأس كوماري [1]، وتصل مساحتها إلى المليونين من الأميال المربعة.
وفي الهند تمثيل كامل لمختلف عروق الإنسان وما عرفه من فنون وآداب، وعلوم و ما اعتنقه من مختلف العقائد منذ ظهور التوحيد رسالة آدم عليه السلام، وحتى انحراف الناس إلى الوثنية وفيها أنواع الأجواء المتباينة من الصقيع القطبي وثلوجه بالهمالايا ومرتفعاتها بالشمال إلى قيظ المناطق الاستوائية وشواطئها بأقصى الجنوب … وفيها من صنوف الحيوان والطير والنبات والمعدن ما يصلح لأن يكون إجمالاً لما بالعالم كله منها. فهي في الحق دنيا قائمة بذاتها قد عزلها عن بقية اليابس الأسيوي أمنع متراس أقامه الله بين بلدين وهو جبال الهملايا الهائلة التي تعرف بسقف الدنيا، وبهذه الجبال الشامخة مسارب تجارب ضيقة تنفذ إلى ا لتبت وبلاد التركستان، ولكنها لا تصلح لمرور القوافل الكبيرة.. والحدود الشرقية للهند جبلية كذلك تتمثل في جبال أسام، وبها بعض المسالك التي تصل أرض الهند بالصين الغربية وشرقي آسيا؛ وتمتد في الغرب جبال الهندوكوش من الشمال حتى البحر جنوباً، وتخترقها بدورها كذلك مسالك تصل إلى التركستان وأواسط أسيا عبر بلاد الأفغان، والى إيران عبر بلوخستان، وعن طريقها نفذ الغزاة والمهاجرون فيما عدا ما ذكرنا من حدود جبلية لشبه القارة الهندية، فالبحر من ورائها محيط [2].
وفي الهند تنبع أنهار كثيرة أعظمها وأطولها نهر السند (الأندوس) ونهر الكنج (جانجا) اللذان يجريان في شمال الهندسستان ويستمدان ماءها من ثلوج الهمالايا ولانادكة يقدسون مجاري المياه قاطبة لما تهبه لهم من خيرات ونعم.. ويضم وديان السند والكنج أغلب أراضي الهند الزراعية.. وفي وسط الهند يجري نهر نريدا، والى الجنوب منه يجري نهر مُهندي، وتحته حودا غري أعظم أنهار الدكن ثم يليه نهر كرشنا.. وأنهار شبه القارة الهندية هذه برغم كثرتها لا تكفي لري أراضيها، لذلك كان اعتماد الزراع الأكبر على مياه الأمطار الموسمية التي يؤدي امتناعها إلى مجاعات مروعة. فلم يكن عبثاً إذن أن ذُكر المطر في كتب الهنادلة المقدسة القديمة بأنه عطاء الآلهة الذي يهب لهم الزرع قوام الحياة [3].
ويمر في وسط الهند سلسلة م الجبال والأدغال تبدأ من الغرب وتسير حتى قرب الساحل الشرقي، وهذه السلسلة تقسم الهند قسمين يختلف أحدهما عن الآخر في طبيعته وفي سكانه وحضارته [4].
سكان الهند:
تعددت الأجناس التي سكنت الهند نتيجة لكثرة الهجرات التي وفدت على الهند، ويعتبر الفدا من العناصر البشرورانية[6] وافدة من الشمال فدفعوا بأهل البلاد أمامهم إلى الأماكن الجبلية في الوسط، وما لبثوا أن توالدوا معهم فظره الدراوريون والتمول أقدم من سكن الهند في التاريخ، ومهم أغلب سكان شبه القارة اليوم.
وتوالت موجات الآربين البيض من السيث والهون على الهند من بعد ذلك قادمة من ناحية الشمال غربي، فاحتسحت أمامها التورانيين وأخضعتهم والدراوريين والتمول لسلطانها، وعن الدراويين أخذ هؤلاء الغزاة نظمهم الحكومية والاقتصادية، وسكن هؤلاء البيض في بادئ الأمر إقليم البنجاب، باب الهند الأري ثم أخذوا من بعد ذلك ينتشرون في منطقة الدواب التي صارت مركز لحضارتهم.. وخاف البراهمة مغبة اختلاط بني قومهم الأربين بعناصر الهند الأخرى فوضعوا نظام الطبقات وجعلوا أنفسهم والنبلاء المحاربين من الأربين على رأسها، فالجيش يقوده النبلاء في الحرب والبراهمة يؤيدونه ويشدون من عضده بالدعاء.. والى جانب الطبقتين الآريتين وهم الكهنة البراهمة والأكشترية المقاتلة من النبلاء الذين يرون في موت الرجل منهم بمخدعة عاراً وأي عار، سلك التورانيون في طبقة الوؤيشية التجار، ولا يأتي من بعدهم سوى طبقة الشوما التي تنتظم الزراع والعمال والصناع، وكانوا أغلب سكان شبه القارة الأصليين إذ ذاك [7].
أما الباريا - وهم المنبوذون - فكانوا في بادئ أمرهم جماعة صغيرة لا تنتمي إلى الطبقات السالفة الذكر وقوامهم بعض القبائل الوطنية وأسرى الحرب والعبيد وأصحاب المهن الحقيرة، وهم بعددهم المتزايد ونفوسهم الثائرة مع عطف البشر البالغ عليه[8] فيه أكثر من ثلث سكان البلاد، وجدنا به تمثيلاً يكاد يكون كاملاً لعروق الهند من الدراوريين والآريين والتورانيين على تفاوت. هذا والعنصر الأخير، أي التوراني، كان أبعد أثراً في سكان الهند من الناحية الجثمانية، وأظهر من كافة ا لعناصر الأخرى التي قدمت هذه البلاد من بعده. وفي البنجاب وأغلب وادي السند، فالعناصر السكانية تكاد تكون وفقاً على عرقين اثنين، هما العرق التوراني والعرق الأري، وعقدية واحدة هي الإسلام.. ومن بين سكان البنجاب والسند قبائل الميدو والجات (الزط) الذين عُرفوا بشجاعتهم ومهارتهم في التجارة.. وهذه القبائل ومعهم الكهكر فيهم المسلمون وفيهم الهناكة و تمتد منازلهم حتى صحراء الراجبوتانا [9].
أما وسط الهند وجنوبها فغالية سكانه الساحقة من الأوراوريين والتمول القدماء، وهم عند البراهمة يعدون من الشودرا والباريا نفاية البشر ومنبوذيه في الغالب.. وأيا ما كان من تباين عروق الهند واختلاف أجناسها الشديد فقد عمت البئة الواحدة طباع وعادات مشتركة ولا غرو فللبقاع تأثير في الطباع.
وسكان شبه القارة الهندية يبلغون (في سنة 2002) 1400 مليوناً تقريباً (أي خمس سكان الدنيا بأسرها)، إذا غضضنا الطرف عن قلة ضئيلة من أهل الفطرة تسكن أماكن منعزلة متناثرة، ولا تزال على عقائدها الطوطمية الأولى فتؤله الأفاعي والقردة والنمرة، فضلاً عن ممارستها إلى عهد غير بعيد لعادة تعدد الأزواج من الذكور، حيث يبني بضعة أقارب أو أخوة في العادة بامرأة واحدة ويقيمون أسرة.
هؤلاء السكان ينقسمون إلى كتلتين كبيرتين، وأكبر الكتلتين هي الكتلة الهندوكية التي تقطن غالبيتها جمهوية الهند اليوم، وهي تتكون من ثلاثة أرباع سكان شبه القارة الهندوباكستانية على كل حال.. وقد أدت معيشة هؤلاء الهنادكة في بيئة واحدة تخضع لعقائد واحدة منذ القدم إلى قيام صفات عامة مشتركة كثيرة فيما بينهم..
وأما الكتلة الثانية فهي كتلة المسلمين الذين يجاوز عددهم اليوم 450 مليوناً تقريباً، وتضم أغلبيتهم جمهورية باكستان، وبرغم وفود جموع الغزاة المسلمين من العرب والفرس والأتراك إلى هذه البلاد فإن غالبية المسلمين هناك هم في أصولهم الأولى هنادكة خلص، ذلك أن المسلمين في مدى قرون قليلة حكموا فيها بالهند، أفلحوا في تغيير معتقدات هذا الفريق الهندوكي الكبير إلى دينهم وعقيدتهم، بل لقد بلغوا به كذلك إلى تغيير لغته و فنونه إلى لغتهم وفنونهم. وهو ما مارسوه في كل البلاد التي فتحوها وعجز عنه غيرهم من بناة الالدول ورجال الدين [10]، وكان من أهم أسباب انتشار الإسلام في شبه القارة الهندية خاصة بشهادة ثقات المؤرخين حتى في العصر الحديث، هو قوله بالمساواة، فلم تستطع بريطانيا ومن سار في ركابها، حين كانت تحتل هذه البلاد أن تحد من نشاطه فيها، ذلك النشاط الذي حرف كل ما كان يقام في طريقه م معوقات وعراقيل [11].
على أي حال لا تؤلف الهند وحدة ثقافية أو جنسية حيث تتعدد العناصر الجنسية التي ينتمي إليها سكان البد كنا تتعدد الأديان واللغات واللهجات التي تتباين من ولاية لأخرى [12]، أو كما يقول ول ديورانت: "فلا ينبغي أن ننظر إليها نظرتنا إلى أمة واحدة مثل مصر أو بابل أو انلجترا، بل لابد من اعتبارها قارة بأسرها" [13].
[1] أحمد شلبي: أديان الهند الكبرى، الطبعة السابعة، مكتبة نهضة مصر، القاهرة 1984 م، ص 23.
[2] أحمد الساداتي: تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم، ج1، مكتبة الأداب، القاهرة، 1970، ص 4.
[3] المرجع السابق، ص 5-7.
[4] أحمد شلبي: المرجع السابق، ص23.
[5] محمد خميس الزوكة: أوراسيا، دار المعرفة، الإسكندرية، 1999، ص 394.
[6] الساداتي: المرجع السابق، ص 8.
[7] المرجع السابق: ص 8-9.
[8] المرجع السابق: ص 10.
[9] المرجع السابق: ص 10 -11.
[10] الساداتي: المرجع السابق، ص 11-13.
[11] جوستاتف لوبون: حضارة الهند، تعريب عالد زعيتر، القاهرة، 1948، ص626.
[12] محمد خميس الزوكة: المرجع السابق ص 501، 502.
[13] ول ديورانت: قص الحضارة، ج3، الهند وجيرانها، لجنة التأليف و الترجمة والنشر، مصر، ص13.