في شكر نعم الله بمناسبة عطلة الصيف
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عِباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - وتُوبوا إليه، واشكُروه على نِعَمِه المترادفة، ومنها ما تعيشه البلاد في هذه الأيَّام من فرحٍ وسرور، وأكثر مواطنها بنجاح أولادهم في دِراستهم، وما يقام من حَفلات زواج في المدن والقرى، ولا شكَّ أنَّ هذه من النِّعَم التي تحتاج إلى الشكر، والعمل الصالح لمسدِيها، لا ما يعمَله الكثير ممَّن أنعَمَ الله عليهم بالمال، ووسَّع عليهم في الرزق من تخصيص مناسبة انتهاء الدراسة، وحلول عُطلتها السفر إلى خارج البلاد واصطحاب أسرته، وخلْع جلباب الحياء، وإضاعة الفضيلة، والوُلوغ في الرَّذِيلة، وإنفاق الأموال الطائلة في سبيل الشيطان، والاستعانة بها على المعاصي؛ ممَّا يُعرِّضه وأولاده من بناتٍ وبنين لفقْد الحشمة والحياء، وازدراء مجتمعه بعد عودته من بلاد الدعارة والخلاعة، وتحسين أعمال أولئك الذين ضاعَتْ أخلاقهم، وتشتَّتتْ أسرهم، وسَئِموا الحياة.
كما أنَّ الكثير - ممَّن قُدِّرَ له زواج ابنته أو ابنه - يقع في أخطاء وتصرُّفات غير لائقة من مُغالاةٍ في المهر، وإسرافٍ في النفقات، وزيادة في الولائم، والبعض قد يصحَبُه منكرات ظاهرة؛ كاختلاط الرجال بالنساء، وإحياء الليل بالغناء والأصوات الماجنة، والعبث بالمأكولات والمشروبات التي أُنفِقت فيها الأموال الطائلة، والكثير منها يُرمَى في الأماكن القذرة، ويداس بالأقدام.
فيا عِباد الله:
إنَّنا اليومَ في وضْع نخشى فيه من سُوء أعمالنا، وكثْرة أخطائنا، ومن غَفلتنا وعدم الاتِّعاظ بما يُحِيط بنا، فلو فكَّرنا في حال كثيرٍ ممَّن أُصِيب بوَيْلات الفتن؛ من حُروب، وسفْك دِماء، وانتِهاك أعراض، ونهْب أموال، وخَراب دِيار، لو فكَّرنا في ذلك ممَّا نشاهده ونسمع عنه، لعرفنا أنَّنا على خطر عظيم؛ حيث إنَّنا في نعم مكفورة، ولسنا أقوى ولا أجلد على تلك المصائب والعُقوبات من أولئك الذين حلَّتْ بهم، بسبب الذنوب والمعاصي.
فيا عِباد الله:
إنَّ الله يَغار على نِعَمِه، ويُعاقِب على ارتِكاب معاصيه، وقد حذَّر فقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
والله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسهم، ويُمهِل ولا يُهمِل، وإذا أخَذ فإنَّ أخْذه أليم شديد.
فاتَّقوا الله يا عِباد الله في أنفُسكم، وفي أُسَرِكم، وفي أموالكم وبلادكم، لا تُعرِّضوها للعُقوبات مع ذهاب الأموال وفساد الأخلاق، واشكُروا الله على ما أنتم فيه من نعمة الأمن، ورغد العيش، وصحَّة الأبدان، وجدِّدوا لكلِّ نعمة شكرًا، وتعاوَنوا مع وُلاة أموركم بالحِفاظ على أنفسكم وبلادكم من الفتن المحدقة بها، وذلك بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، والاستعانة بنِعَمِ الله على طاعته، فإنَّ ذلك أحرى لدَوام النِّعَم، ودفع النِّقَم، وليكنْ لكم في غيركم عبرةٌ وموعظة؛ فالسعيد مَن وُعِظَ بغيره، ولستُم في حاجةٍ إلى ذكْر ما وقعَتْ فيه البلاد الفلانية أو الشعب الفلاني من مصائب ووَيْلات، فلكم سنون تسمَعون وتشاهِدون ما يُنقَل ويُعرَض في وسائل الإعلام، ممَّا لا يُنكِره إلا مَن شقي وقضى عليه، وعرَّض نفسه للوقوع فيما وقَع فيه أولئك.
فما أحوجنا يا عِباد الله إلى الانتباه، ومحاسبة النفوس، وإصْلاح الأحوال، والتعاوُن على البرِّ والتقوى، والتناهي عن المنكر، والحِفاظ على أمَّتنا، وبلادنا - بما حباها الله من نِعَمٍ هي من ثمرات التمسُّك بتعاليم دِيننا الحنيف - والبُعد عن مَعاصِي الله! فما أحوجنا إلى الحِفاظ على هذه النعمة حتى نَزداد نعمةً عليها، ونسلَم من سلبها أو تنقيصها.
فيا وُلاة أمور الطلاب والطالبات، ممَّن فكر في قضاء عطلة الصيف أو بعضها خارج بلادنا من بلدان الكفر والفسق، اتَّقِ الله في نفسك وفي أسرتك، لا تُعرِّضها لسلب الفطرة السليمة، وذَهاب الحشمة والحياء، وتعود بها وقد تأثَّرت بأخْلاق العاهرات والفاسقين.
اتَّق الله في نفسك، وفي أهلك، وفلذات كبدك، صُنْها بسياج العفَّة، وحافِظ على أخلاقها وكرامتها، واقضِ الوقت الذي تريدُ فيه الترفيه عن نفسك، وإسعاد أسرتك في بلادك، ففيها المصائف المريحة، والمناظر الجميلة، والأمن، والاطمئنان، ورغد العيش، والعناية الصحيَّة، وما يريح، وفيها البلاد المقدَّسة للتزوُّد من طاعة الله؛ من حج، وعمرة، وعبادة مضاعفة، فاشكُر الله على نجاح أولادك بعمل الطاعات في بلادك، ورفِّه نفسك وأسرتك في بلادك، لتأمَن على دِينك وأخلاقك، ودِين أسرتك وأخلاقها، وتكون بذلك قد شكَرتَ نعمةَ الله بطاعته.
اللهم وفِّقنا جميعًا بما يُرضِيك، واجعَلْنا هُداةً مُهتَدِين، اللهم جنِّبنا المعاصي والآثام، واحفَظْنا من مضلات الفتن، إنَّك سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلَموا أنَّ الكثير ممَّن ابتُلِي بالمجاملة، وطاعة النساء في مناسبات الزواج، قد يُوقِع نفسه فيما لا يَرضاه، هو وغيره من مَتاعب ولوم وإنفاق فيما لا فائدة فيه، بل فيه الضرر المتحقق، ونحن في هذه الأيام في موسم من مواسم كثْرة الزواج لتفرُّغ الشباب والشابات، ولكن قد يكدر هذه الصفو والمناسبة الغالية ما يحصل فيها من تكاليف، وإرهاق للزوج، وتبقى الزوجة شبحًا أمامَه؛ حيث كانت السبب فيما تحمَّله من ديون، وأثقل كاهله من نفقات، وتبقى الزوجة هي الأخرى في ضيق وضنك وتعاسة؛ حيث فقدت السعادة الزوجيَّة المطلوبة بفقد زوجها لها، مع أنَّ الكثير من تلك الأموال التي أُنفِقت قد أصبحت عقوبةً على مُنفِقيها، فهي إمَّا في ولائم لا يُؤكَل منها إلا القليل، والكثير يُرمَى في أماكن غير لائقة، مع ما يترتَّب على ذلك من كُفر النعمة، وقد تكون في أجور ما يسمى بقصور الأفراح، وقد تكون في منكرات؛ من طرب، ولهو، واختلاط نساء برجال، وفي ملابس مغالى في أثمانها وخِياطتها، تُلبس مرَّة وترمى... إلى غير ذلك.
فالإنفاق الزائد فيه مضرَّة للأسر والأزواج، وعُقوبة عاجلة؛ ولهذا يُحجِم الكثير من الشباب عن الزواج المبكر لعدم استطاعته لمجاراة الآخرين، وتبقى الفتيات محبوسات في بيوت أوليائهن، وفي ذلك مضارُّ، وقد يترتَّب عليه مفاسد، فاتَّقوا الله في شبابكم وفي فتياتكم، ولا تُرهِقوا الشباب بالمهور، ونفقات الزواج، وتجنوا على بناتكم بحِرمانهن من سعادة الزوجية المبكِّرة، ومن الراحة والطمأنينة بعد الزواج، زوِّجوهن وأعينوهن، والمهم هو اختيار الزوج الصالح، والمرضي في دِينه وخُلقه، فاتَّقوا الله يا عِباد الله.