قالوا: فلان يحتمل في الرقائق ولا يحتمل في الأحكام.
وهذا باطللأنه لا يخلو كل أحد في الأرض من أن يكون فاسقاً أو غير فاسق ، فإن كان غير فاسق كان عدلاً ، ولا سبيل إلى مرتبة ثالثة .
والعدل ينقسم إلى قسمين : فقيه وغير فقيه.
فالفقيه العدل مقبول في كل شيء .
والفاسق لا يحتمل في شيء .
والعدل غير الحافظ لا تقبل نذارته في شيء من الأشياء ، لأن شرط القبول الذي نص الله تعالى عليه ليس موجوداً فيه .
ومن كان عدلاً في بعض نقله ، فهو عدل في سائره ، ومن المحال أن يجوز قبول بعض خبره ، ولا يجوز قبول سائره إلا بنص من الله تعالى أو إجماع في التفريق بين ذلك ، وإلا فهو تحكم بلا برهان ، وقول بلا علم ، وذلك لا يحل .
قالوا: فلان أعدل من فلان وراموا بذلك ترجيح خبر الأعدل على من هو دونه في العدالة.
والجواب أن الله عز وجل لم يفرق بين خبر عدل، وخبر عدل آخر أعدل منه، ومن حكم في الدين بغير أمر من الله عز وجل، أو من رسوله , أو إجماع متيقن فقد قفا ما ليس له به علم ، وإنما أمر تعالىبقبول نذارة النافر الفقيه العدلفقط ، وبقبول شهادة العدول فقط ، ففى نقل الأخبار يشترط العدالة والضبط وفى الشهادة لا يشترط إلا العدالة فقط. فمن زاد حكماً فقد أتى بما لا يجوز له.
وأيضاً فقد يعلم الأقل عدالة ما لا يعلمه من هو أتم منه عدالةفقد جهل أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ميراث الجدة ، وعلمه المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وبينهما وبين أبي بكر وعمر بون بعيد إلا أنهم كلهم عدول ، وقد رجع أبو بكر إلى خبر المغيرة في ذلك ، وأيضاً فإن كل ما يتخوف من العدل فإنه متخوف من أعدل من في الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً فلو شهد أبو بكر وحده ، ما قبل قبولاً يوجب الحكم بشهادته، ولو شهد عدلان من عرض الناس قُبِلا، فلا معنى للأعدل .
متصرف شديد من كتاب الاحكام لابن حزم