صناعة الخوف {ويخوفونك بالذين من دونه}
تعاني البشرية الآن حالةً من الخوف والرعب وعدم الأمن، خاصة مع تزايُد وسائل النشر والتواصل البشري لكل أنحاء العالم، فقد تَم استخدامُها في نشر وصناعة الخوف لهذه البشرية المنكوبة على يد صناع الخوف والرعب لقيادة البشرية على يد قلةٍ قليلة من البشر.
وليس أقرب مما عاشه العالم من ظاهرة فيروس كورونا الذي تَم استغلاله لِمَصِّ ثروات العالم في يد هذه الفئة، وأين هذا الفيروس الآن؟! هذا مثال لصناعة الخوف على مستوى العالم.
إن صناعة الخوف يمارسها الإنسان على أخيه الإنسان منذ فجر التاريخ، مارسها الأخ الفاسد عل أخيه الصالح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، كما مارسها فرعون إذ قال: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71].
قَالَ: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].
وتتم صناعة الخوف على مرِّ العصور والأزمنة، وعلى مستوى الأفراد ومستوى الدول، فقد مارست الدول الاستعمارية ذلك على دول العالم الفقير الضعيف لامتصاص ثرواتها ودماء أبنائها وتسخيرهم عبيدًا، وهذا ما تفعله الدول الكبرى الأن مع باقي دول العالم.
ويمارس الأفراد مع بعضهم صناعةَ الخوف على مستويات مختلفة، وكلٌّ حسب مكانته ومنصبه وجاهه، فشياطين الإنس والجن لا تتوانى في بث الخوف والرعب في نفوس الناس ليلَ نهار، وبكل الوسائل، بل إن صناعة الخوف أصبح لها علوم وتخصصات تدرَّس ويتفنَّن فيها أصحابها، ويتم نشر هذه الصناعة على كل الوسائل لتخويف البشرية.
وتتوالى عمليات النشر وبث الشائعات (الحيطة لها ودان)، وهكذا.
فإذا تحدث أحد مع آخر يجده يبثُّ فيه الخوف.
وهناك من يجيدون ذلك: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175].
لكن كيف يعيش المسلم في خِضَمِّ هذا كله؟!
إن كتاب الله فيه هدى ونور، يوضح لنا كيف يكون تصرفنا تجاه هذه الظاهرة.
يقول لك ربك: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36].
إن الذين يمارسون هذه الصناعة هم شياطين الإنس والجن والله يقول:
{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
ويقول أيضا: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].
{فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:150].
{فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64].
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 3].
أيها المسلم، كم كيدٍ ومكرٍ من صُناع الخوف والرعب هؤلاء، قد نجاك الله منه وأنت لا تدري ما دمت في كنف الله ومتوكلًا عليه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11].
إن القلب المؤمن يمضي في طريقه ثابتًا واثقًا مستيقنًا بقوة الواحد الأحد ربِّ كلِّ شيءٍ، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
ومن ثم فإن هذا المؤمن ينفض يدَه من هذه القوى الوهمية قوى الشيطان وأعوانه، ويترك أمره لله، ويقول: حسبي الله، عليه توكلتُ، وعليه يتوكل المتوكلون، ثم يقول: قل لهؤلاء الصناع: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 135].
هكذا تكون الثقة واليقين والطمأنينة في القلب المؤمن، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36].
بلى! فمن ذا يُخيفه، وماذا يخيفه؟ إذا كان الله معه؟ ومن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 36].
فكيف يخاف؟ وهل في الأرض كلها إلا من هم دون الله؟
إنها قضيةٌ بسيطة واضحة، لا تحتاج إلى جدل ولا كدِّ ذهنٍ، إنه الله، ومَن هم دون الله، وحين يكون هذا هو الموقف لا يبقى هنالك شك ولا يكون هناك اشتباهٌ!
وإرادة الله هي النافذة ومشيئته هي الغالبة، وهو الذي يقضي في العباد قضاءه في ذوات أنفسهم، وفي حركات قلوبهم ومشاعرهم: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: 37].
أيها المسلم، ذهبت لصلاة المغرب بعد كتابة الكلمات السابقة، فإذ بي أسمع قول الإمام: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
فقلت في نفسي: إنها من الله لي ولك في هذا المقام فكتبتها.
أيها المسلم، سرْ على بركة الله في طريقك إلى الله، ولا تُعِرْ أذنك وقلبك لصناع الخوف والرعب، فالله حاميك وكافيك، وقل كما قال جدُّك إبراهيم عليه السلام قولته المشهورة بعد أن وضعوه في النار: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].
________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى