هل هذا ذكاء وموهبة؟
أ. عائشة الحكمي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لديَّ ابن أخ يبلُغ من العمر 9 سنوات، مشكلته أنَّ خياله واسع جدًّا جِدًّا، ينظر إلى الأشياء مِن منظور آخر، مثلاً يقول لأمه: أحضروا لي خشبًا ومطرقة فقط، وأستطيع صُنعَ قارب، ومرَّة كان جالسًا معه أبوه في غُرفته، وكان فوق شبَّاك غرفته مكان طرق مسامير كثيرة (منزلهم مستأجر) فسأله أبوه ماذا تتوقَّع أن يكون معلَّقًا في هذه المسامير، فأجاب: يمكن أن يكون سريرًا.
وأيضًا هو متفوِّق في الحساب، كالبيع والشراء، ويستطيع إقناع مَن هم في سِنه بالشراء منه، فمثلاً أهدتْه إحدى خالاته كتابًا يحوي رسوماتٍ للتلوين، فأخذه وقصَّ صفحاتِ الرسومات وباعَها لزملائه، كل صفحه برِيالين، فكسب 18 ريالاً!
ومرَّة اشترى حلوى وعندَما تذوَّقها لم تعجبْه، فأخَذَها وغسلها وأرجعها بكيسها وباعها أيضًا لزميله! وفوق كل هذا إذا أخطأ يُنكر فعلَه لهذا الخطأ، يضرب أخاه أو يسكب الماء على الأرض، وعندما نُنكر عليه ذلك يَحلِف بأنه ليس هو، ونحن نراه بأعيننا!
وهناك أمثلة كثيرة لا عدَّ لها ولا حصرَ، فهل هذا مؤشِّر على ذكاء وموهبة، أم هو مجرَّد خيالات لا أهميةَ لها؟
الجواب
أختي العزيزة، حيَّاكِ الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتُه.
لا شكَّ أنَّ هذا الخيال الخصْب الذي يتمتَّع به عقلُ ابن أخيكِ هو مؤشِّر نبوغ مبكِّر، وعلى والديه أن يشجِّعَا نمو هذه النبتة الخضراء المبدِعة في جوٍّ صحِّي آمن، مترَع بالحبِّ والمرَح؛ لتطوير مهاراته، وتحفيز قُدراته، وتوسعةِ مداركه، وصقْل شخصيته فيما يُفيده ويُفيد مجتمعه ووطنه ودِينه.
أنْصَح والديه أن يحسَنا اختيارَ مدرسته، وأن يُلحقاه بمركز صيْفي أو مخيَّم إسلامي خلالَ الإجازة الصيفيَّة؛ لتوجيه طاقاتِه، واستثمار مواهبِه، كما أنصحُهما بمكافأتِه بالألعاب التي تنمِّي الذكاء، كتلك التي تُقدِّمها شركة (فناتير) العالميَّة للترفيه، إنْ كان لها فرْع في المنطقة التي تعيشون فيها.
وحبَّذا التركيز على مهاراتِه التجاريَّة، وتطويرها ووضْعه تحتَ المسؤولية، والثِّقة به وعدم السخريَّة منه، أو إظهار التذمُّر والتشكِّي من خياله الفيَّاض، فقد قال ابنُ قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه القيِّم "تحفة المودود بأحكام المولود": "وممَّا يَنبغي أن يعتمدَ حال الصبي وما هو مستعدٌّ له مِن الأعمال ومهيَّأ له منها، فيعلم أنَّه مخلوقٌ له، فلا يَحمله على غيرِه ما كان مأذونًا فيه شرعًا؛ فإنَّه إنْ حمله على غير ما هو مستعدٌّ له لم يفلحْ فيه، وفاتَه ما هو مهيَّأ له، فإذا رآه حسنَ الفَهْم، صحيح الإدراك، جيِّد الحفظ، واعيًا، فهذه من علامات قَبوله وتهيئه للعِلم لينقشه في لوح قلْبه ما دام خاليًا، فإنَّه يتمكن فيه، ويستقر، ويزْكو معه، وإنْ رآه بخِلاف ذلك مِن كل وجه وهو مستعدٌّ للفروسية وأسبابِها مِن الرُّكوب والرَّمْي واللعب بالرمح، وأنَّه لا نفاذَ له في العِلم ولم يُخلقْ له، مكَّنه مِن أسباب الفروسيَّة والتمرُّن عليها؛ فإنَّه أنفعُ له وللمسلمين، وإنْ رآه بخلاف ذلك وأنَّه لم يُخلقْ لذلك، ورأى عينَه مفتوحةً إلى صَنعة من الصنائع، مستعدًّا لها، قابلاً لها، وهي صناعةٌ مباحة نافِعة للناس، فليمكِّنه منها، هذا كلُّه بعدَ تعليمه له ما يحتاج إليه في دِينه؛ فإنَّ ذلك ميسَّر على كلِّ أحد، لتقوم حُجَّة الله على العبد، فإنَّ له على عباده الحُجَّةَ البالغة كما له عليهم النِّعمة السابِغة، والله أعلم".
أمَّا الكذب فهو صِفة ذَميمة يجِب أن تعالج مبكرًا، وقد تَكلَّمْنا كثيرًا حولَ كذب الأطفال في استشاراتٍ سابقة